يعاني العراق أزمة مستفحلة منذ سنوات في قطاع الطاقة الكهربائية تتمثل في نقص شديد في إمدادات الكهرباء من محطات التوليد الحالية والتي تبلغ قدرتها 13,000 ميغاوات/ساعة،فيما تبلغ الحاجة المحلية للطاقة الكهربائية 23,000 ميغاوات،وقد تصل في فصل الصيف (موسم الذروة) إلى 25,000 ميغاوات. ويعني ذلك وجود نقص أو عجز لا يقل عن 10,000 ميغاوات. ولمواجهة هذا النقص ،قامت الحكومة العراقية باستيراد الطاقة الكهربائية من الجارة إيران وبواقع 1200 ميغاوات ترسل عبر أربع منافذ: البصرة والعمارة وديالى وخانقين،اضافة الى استيراد كميات كثيرة من الغاز الطبيعي لتشغيل محطات كهربائية تنتج 3300 ميغاوات. وبذلك يكون مجموع الطاقة الواردة من إيران حوالي 4500 ميغاوات،وليصبح العجز المتبقي 5500 ميغاوات ويشكل نسبة 24% من الحاجة الفعلية للكهرباء. وبحسب هذه الأرقام،وبصرف النظر عن الضائعات والتجاوزات على الشبكات الكهربائية،فإن الطاقة المجهزة للمواطنين والمؤسسات العامة والخاصة يفترض أن تكون بحدود 75% أي تغطي نحو 16 ساعة يوميا. لكن واقع الحال ليس كذلك،فالكهرباء الواصلة للمواطن لاتتجاوز 12 ساعة يوميا في أحسن الأحوال،وفي بعض المناطق تكون أدنى من ذلك بكثير!
الاتفاق العراقي السعودي في مجالات
الطاقة
أدركت الحكومة الجديدة برئاسة السيد مصطفى الكاظمي جدية وحيوية أزمة الكهرباء وتأثيرها على حياة المواطن ومعيشته،فأوفدت لذلك السيد وزير المالية عبد الامير علاوي إلى المملكة السعودية يوم 22/5/2020 أي بعد أسبوعين فقط من مباشرة الحكومة أعمالها،وذلك للتباحث حول التعاون في مجالات الكهرباء والطاقة. وتمحورالاتفاق بين الطرفين على ثلاث جوانب :
وتفعيل الربط الكهربائي بين العراق والسعودية،ودول الخليج بشكل عام،علما بأن العراق سبق له أن وقع اتفاقية ربط العراق بشبكة كهرباء دول الخليج في شهر نيسان من عام 2019،هذا يعني أن هذه الخطوة هي تفعيل لاتفاق موقع سابقا.
وتطوير أسواق الطاقة،ويقصد به التعاون في المجال النفطي وتنسيق سياسات الإنتاج والتصدير وغيرها.
والاستثمار والمشاركة في مشاريع توليد ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية التقليدية والمتجددة.
مزايا الاتفاق والتعاون مع السعودية
ويمثل الاتفاق باكورة تعاون جديد بين العراق والجارة السعودية اثرعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما في شهر ديسمبر 2015،وسيرسخ ذلك بشكل عملي عودة العراق إلى الوسط العربي والخليجي واستعادة مكانته الطبيعية فيهما.
والجدوى الاقتصادية: استيراد الكهرباء من دول الخليج سيتيح للعراق توفير مبالغ كبيرة،فالطاقة المستوردة من الخليج تقل تكلفتها الى الثلث مقارنة بقيمة الكهرباء المستوردة من إيران. كما أن هذا الاتفاق هو مجزي كذلك لدول الخليج والتي يتوفر لديها فائض من الطاقة،لا يمكن تخزينه بطبيعة الحال،يمكن توريده الى الدول المجاورة مثل العراق و يغطي بشكل كامل العجز في الطاقة الكهربائية في العراق.
والعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران تحظر على سائر الدول شراء الطاقة منها،الا أن الادارة الأمريكية أعطت العراق استثناء او إعفاء مؤقتا،جدد مؤخرا إلى 120 يوما تنتهي قبل نهاية العام الحالي،وبذلك لن يتمكن العراق بعدها من الاستمرار في استيراد الكهرباء وكذلك الغاز الطبيعي من ايران لكيلا يقع تحت طائلة عقوبات أمريكية يصعب احتمالها. فالطاقة التي سترد من الخليج،ستسد النقص الحاصل عن قطع امدادات الطاقة من ايران.
والاتفاق يفتح مجالات جديدة ومتميزة للتعاون مع السعودية،وهي الاستثمار في مشاريع الطاقة الكهربائية (الانتاج والنقل والتوزيع).
والمعروف ان مشكلة الكهرباء في العراق لا تقتصر على التوليد (الأنتاج) ونقص المحطات الكهربائية أو تدني قدراتها التوليدية الحالية،فشبكات التوزيع والنقل هي الأخرى متهالكة وتتطلب تحديثا وصيانة وصرف مبالغ إضافية تقدر بمليارات الدولارات يتعذر تأمينها في ظل الأزمة الأقتصادية الراهنة. وهنا تكمن أهمية استقطاب الاستثمارات أو المشاركات السعودية في تطوير هذه الجوانب من ملف الكهرباء في العراق.
وأنشات السعودية في نهاية العام 2019،وبالتعاون مع خبرات أجنبية،محطة ضخمة للطاقة الشمسية الكهروضوئية (أي تولد الكهرباء من ضوء الشمس) في منطقة الجوف وبقدرة تصل الى 300 ميغاوات وهي طاقة متجددة ونظيفة،كما خططت لأقامة 12 مشروعا من النوع نفسه خلال الأعوام الأربع القادمة.
ويمكن للعراق الاستفادة من نقل الخبرات السعودية في هذا المجال وأنشاء محطات مماثلة في العراق،حيث أن بيئة ومناخ العراق مواتية ومثالية لمثل هذه المشاريع.
وهذا التوجه نحو الطاقة المتجددة،سلكته من قبل دول عربية أخرى مثل المغرب ومصر والإمارات العربية المتحدة حيث أنشأت جميعها محطات كبيرة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية.
الاتفاق يفتح مجالات للتعاون في مجال الغاز الطبيعي،حيث عرضت السعودية في وقت سابق كذلك توريد الغاز إلى العراق و بأسعار متدنية،وكذلك امكانية الحصول على قرض مالي يسعى العراق اليه وقدره عدة مليارات من الدولارات. هذا القرض سيكون معينا لوزارة المالية العراقية في تجاوز أزمة الرواتب الحالية وإلى نهاية العام الحالي على أقل تقدير.
التجربة المصرية الناجحة في قطاع
الكهرباء
افتتحت مصر في منتصف العام الحالي ثلاث محطات عملاقة للطاقة الكهربائية تعمل بالغاز الطبيعي أنشأتها شركة سيمنز الألمانية الشهيرة وبقدرات انتاجية مجموعها يقارب 15,000 ميغاوات وبكلفة اجمالية بلغت 6 مليارات يورو (تعادل حوالي 7 مليارات دولار) للمحطات الثلاثة مجتمعة ونفذت خلال 18 شهرا فقط.
وأستطاعت مصر بذلك حل مشاكل الكهرباء المتراكمة لسنوات وبشكل جذري،مع توفير فائض من الطاقة أتفقت على تصدير بعضه إلى الأردن وبكلفة متدنية تبلغ حوالي ثلاث سنتات للكيلووات الواحد.
وفي وقت سابق،كان هناك عرض مصري على العراق للأستفادة من الربط المنجز مع الأردن وبنفس التكلفة،ألا ان الحكومة العراقية آنذاك لم تتجاوب مع هذا العرض !!
السؤال الذي سيتبادر الى ألأذهان،اذا كانت مصر قد أفلحت في حسم معضلة الكهرباء بموازنة 7 مليارات دولار خلال سنة ونصف فقط،فما سبب فشل العراق في حل نفس المعضلة على مدى 17 عاما رغم أنفاق أكثر من 50 مليار دولار على قطاع الكهرباء ؟
ألأجابة جاءت صريحة في خطاب لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وجهه الى الشعب العراقي يوم 27/7/2020 وصف فيها أزمة الكهرباء الراهنة بأنها نتاج (سنوات طويلة من التخريب والفساد وسوء الأدارة،لا حل لها في يوم وليلة).
الغاز الطبيعي وقود محطات الطاقة
أغلب محطات الطاقة كانت تعمل سابقا بوقود الغازويل (زيت الغاز) أوالنفط الثقيل،الأ أن ألمحطات الحديثة بدأت بالتحول إلى وقود الغاز الطبيعي وبعضها إلى الطاقة النووية. وبالحديث عن الغاز الطبيعي،على الرغم من الاحتياطي الضخم من الغاز الطبيعي في العراق (حولي 126 تريليون قدم مكعب) الا أن محاولات استثماره بشكل اقتصادي وعلمي لا تزال متواضعة جدا في العراق.
ففي الوقت الذي يحرق ويضيع ما مجموع 18 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا،تستورد الدولة نحو 17 مليارمتر مكعب من الغاز من إيران من أجل تشغيل محطات الكهرباء في محافظات شرق البلاد. وقد بدأت وزارة النفط العراقية وبمعاونة شركة شيل العالمية بعدة مشاريع لتجميع الغاز، وتمكنت من تجميع قرابة 50 مليون متر مكعب من غاز حقول نفط الجنوب كمرحلة اولى. وكشفت الوزارةعن خطة لتجميع قرابة 10 مليارمتر مكعب من الغاز سنويا.
وعند اكتمال هذه المشاريع،ستنتفي الحاجة لاستيراد الغاز الطبيعي من أي مصدر خارجي،وستتمكن الدولة من استغلال الغاز في تشغيل محطات الطاقة الحالية والمستقبلية .وأن الأخفاقات المتراكمة في إدارة قطاعات الاقتصاد وتفشي الفساد والمحسوبية في مفاصل الدولة المختلفة لم تقتصر على قطاع الكهرباء والطاقة وحسب،بل وطغت على سائر القطاعات والمجالات الاقتصادية الأخرى.
وذلك مرده عدم وجود رؤية أو فلسفة اقتصادية واضحة تجسدها خطط علمية قابلة للتطبيق كفــــــــيلة بأن تحيل الفشل المستمر في ادارة الـــــــــدولة إلى نجاح دائم يخدم الوطن والمواطن.
ان بلدا كالعراق حرارة صيفه تفوق 50 درجة مئوية تصبح الكهرباء فيه ضرورة لاتقل شأنا عن الماء والهواء والغذاء،ضرورة تدفع الشباب للتظاهر والخروج من أجلها الى ساحات وشوارع بغداد ومدن العراق ألآخرى لتحصد أرواحهم رصاصات المحسوبين على السلطة المقـــــــصرة ويسقط مفارقين الحياة شباب كل ذنبهم أنهم حلموا وطالبوا بنسمة هواء باردة تنسيهم قيظ الصيف وظلم الحكام وضلالتهم .
أكاديمي عراقي
مشاهدة 2464
|