في عهد نظام صدام، عندما كانت كل الأبواب مغلقة في وجه العراقيين، كان هناك من يعتقد انّ في الإمكان التنسيق بين المهمات المستحيلة والمواقف المتناقضة والإتجاهات المختلفة في سبيل نفض غبار التخلف والعصبية والشوفينية المقيتة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في العراق، وبناء نظام جديد قابل للحياة على انقاض نظام البعث، ينهض ويرسم خارطة تقود العراق الى الرقي والتقدم والازدهار. وبالذات عند توافر الظروف أو الوسائل المناسبة لتحقيق الأهداف الإنسانية وتنفيذها على أرض الواقع، وإخراجها من حيز التنظير إلى حيز التطبيق.
الكورد، أشخاص وجماعات وأحزاب، شاركوا في التغيير الذي حدث في سنة 2003 والذي حمل معه نواة الأمل، ولكن بعد إقرار الدستور ومرور وقت قصير هادىء نسبياً، وإستقواء سواعد الانتهازيين، تغيرت أنماط ومراحل السياسات العراقية تجاههم، وتأثرت بمحددات وترتيبات أظهرت أن تعليق الأمل ببغداد خطاً فادح، وإنهم بدلوا بضاعة نظام البعث الكاسدة بأخرى فاسدة، وأن الخلف في بغداد سواء كان معرفاً بالإسلامي أو القومي، لايختلف عن السلف من حيث العقلية والإيمان بوحدة العراق القسرية، والتفكير في البطش بكل الداعين الى المساواة والشراكة والفدرالية والديمقراطية الحقيقية المثبتة في الدستور. كما إنهم ( أي الكورد) سمعوا الآخرين وهم يعاتبون صدام لعدم إبادة جميع الكورد.
الذين أصبحوا رؤساء للحكومات، ولإعتبارات عقائدية وطائفية ومذهبية، لعبوا أدورا لا تليق برئيس أي حكومة أن يلعبه، أو حتى برئيس بلدية لقضاء أو ناحية أو مدير لمدرسة إبتدائية. أصابهم الغرور الخرافي بعدما تحولوا الى سلاطين وأثرياء فاحشين، وإستماتوا في تهميش الدستور وخرقه من أجل الإحتفاظ بالسلطة والمال والثروات التي هبطت عليهم. وارتبطت اسمائهم بالأزمات التي تشهدها البلاد وبحالات الاحتقان وانسداد الأفق، وأصابوا الكثيرين باليأس وبالأخص أولئك المطلعون على أحوالهم يوم كانوا لاجئين في خارج البلاد .
والذين أصبحوا رؤساء للبرلمان العراقي، وغالبية النواب في السلطة التشريعية، استغلوا مناصبهم لغايات مذهبية وطائفية وقومية، ومنعوا تلك السلطة لكي تكون أمينة على مهماتها التي تختص بتشريع القوانين. وكان من الصعب عليهم أن يمرروا قوانين تتناقض مع قناعتهم الأصلية. بل كان وجودهم حجر عثرة في طريق تطبيق الدستور، وبالذات المادة 140.
أما تصريحات غالبية الإنتهازيين على الشاشات المغرضة وأزلام المواقع الألكترونية، فقد أصبحت توظيفات للقومية والدين والمذهب لصالح السياسة والسياسيين، وتحريضات على منع الالتقاء ونشر الفتنة والاقتتال، ونداءاتهم دعت الى التخريب وتوسيع شقوق الخلافات المنهكة بين أبناء جلدتهم وبين الكورد، وتشديد لحدة العداء لكل ما هو كوردستاني، ودوران في حلقات مفرغة لتقديس الطائفية والمذهبية ورفعهما إلى مرتبة المقدّس الذي لا يصح ولا يمكن نقدهما أو تجاوزهما. ومواقفهم بشكل عام تجسدت في رفض الواقع الحقيقي وإغماض العين لعدم رؤية التغييرات التي تحدث في المنطقة.
وخلال سيطرة داعش على مناطق واسعة ومدن كثيرة في العراق، وخلال الحرب ضده وبعد طرده من المدن والمواقع التي إحتلها، تغيّرت الأوضاع بوتيرة جدّية وخطيرة وسيئة لا سابق لها، وسعى الكثيرون على تفاقمها، وأنذرت بعواصف عاتية تفني كل معاني الشراكة والعدالة والحرية، وفتحت ملفات لاحصر لها، وزجت الجميع في نزاعات قومية ودينية وطائفية. وأكدت أن الرؤى والثقافة والسياسات العدائية ضد الكورد قد تحولت من حالات ومواقف وظواهر شخصية الى إستراتيجية ممنهجة وشاملة.
وأخيراً نقول : الغيض من فيض جبل الجليد الذي يثبت أن الخلف في بغداد لا يمكن أن يكون أحسن من السلف، وأن العداء للكورد تحول الى إستراتيجية ممنهجة، فهي هجمات إكتوبر 2017 على كركوك والمناطق الكوردستانية الأخرى، والعودة الى ممارسة التعريب السيئة الصيت، وإيقاف ارسال رواتب الموظفين والمتقاعدين في الاقليم، والإمتناع عن تسديد مستحقات الفلاحين الكورد، وعدم تنفيذ الإتفاقات المتعلقة بعودة البيشمركه الى المناطق الكوردستانية التي تقع خارج إدارة حكومة الإقليم.