اربيل (zna) يعيش العالم بأكمله حالة تتراوح بين الرعب والقلق والتوجس منذ تفشي فيروس كورونا في الصين في شهر كانون الاول من العام الفائت 2019. ومبعث القلق هو سرعة تفشي وانتشار الفيروس وعبوره أسوار الصين الى دول وبلدان تبعد عنه آلاف الكيلومترات، يضاف إلى ذلك الغموض والتعقيد في تكوين الفيروس وسرعة تفاقم أعراضه إلى حد وفاة المصاب دون أن يتم التوصل إلى مصل لعلاجه. وبعد أول ظهور للفيروس بأسابيع قليلة, توالت التقارير في كل يوم وكل ساعة عن مناطق جديده يغزوها الفيروس وإعداد متزايدة من الإصابات والوفيات.
اقتصاديا، الاثار التي خلفها الفيروس على الصين ، ثاني أقوى اقتصاد في العالم، لم تكن كارثية في مجال الصحة والحياة وحسب، فقد انخفضت ,إلى مشارف الانهيار, اغلب المؤشرات الاقتصادية والمالية على مستوى العالم. حيث أوقفت الشركات الكبرى عملياتها التجارية في الصين، وأغلق أغلبها مكاتبها وفروعها ومعاملها في الصين. ولكون الصين دولة مصدرة ومستوردة ذات تعاملات واسعة مع معظم دول العالم, فإن جميع الشركات تشعر بقلق متزايد. فالصين اكبر سوق لأنتاج السيارات، والشرائح الالكترونية، والمصدر الرئيسي للملابس والالكترونيات والكثير من المواد الاحتياطية. وقدرت إحدى المجلات المعنية بالاقتصاد خسائر الاقتصاد العالمي (لغاية شهر شباط 2020) بنحو 160 مليار دولار , متجاوزة بذلك خسائر فيروس سارس الذي سبب ازمة عالمية عند انتشاره في العام 2003.
الأزمة المستجدة في الإقتصاد الصيني، قد تدفع بالكثير من الشركات العملاقة والتي أقامت مصانع ومعامل لها في الصين مستفيدة من القوى العاملة الرخيصة والمواد الأولية متدنية الكلفة، باتت تفكر بنقل صناعتها التحويلية (أو التجميعية) إلى دول اخرى كالهند أو المكسيك أو غيرها. قد تكون هذه الأنباء سارة للام?ركان المنافسين التقليديين للصين، لكن هذه المسرة لن تدوم طويلاً فالآثار الإيجابية لصالح الاقتصاد الأم?ركي ستكون ذات أجل قصير، و سرعان ما ستظهر على سطح الواقع اثارها السلبية , فالصين سوق ضخم للتجارة والسلع الأمريكية. لا ريب أن وسائل الإعلام الغربية ستبالغ (ربما بدافع الشماتة أو الحسد) في تصوير حال الاقتصاد الصيني بالمتأزم. الا أن المتابع الفطن للأحداث ومجرياتها، يدرك ان العملاق الصيني وبقدراته ا?اقتصاد?ة والبشر?ة الهائلة س?تجاوز أزمته الراهنة و سيواجه بقوة الفيروس- الشيطان ( كما أسماه الرئيس الصيني) وربما يتغلب عليه في أجل قريب.
الكورونا والنفط
الآثار الكارثية لفيروس كورونا لم تستثن أياً من قطاعات الاقتصاد والمال، والنفط بضمنها بطبيعة الحال, فالنفط الذي تعافى في السنوات 2017 والى نهاية 2019. كنتيجة لاتفاق دول الأوبك ( وبعض المصدرين من خارجها ومنها روسيا) على خفض الانتاج بواقع 1,8 مليون برميل يومياً توزع بين المصدرين، و حافط على سعر تخطى حاجز الـ 50 دولارا للبرميل ليصل إلى قرابة 60 دولارا لخام برنت) في النصف الثاني من 2019. كان ذلك مبعثا للتفاؤل في استقرار السوق النفطية إنتاجا وسعرا, الا أن الأزمة التي خلفها فيروس كورونا وإغلاق الكثير من المعامل في الصين، دفعها إلى خفض استيراداتها من النفط الخام من 11 إلى 8 ملايين برميل يوميا. وقد تسبب ذلك في حصول فائض قدره 3 ملايين برميل ستضاف إلى السوق المتخم أصلا بزيادات في الإنتاج. الانخفاض في الأسعار في الشهر الأول من الأزمة وصلت نسبته إلى 11 بالمئة لترتفع لاحقا الى 16 أو 17 بالمئة في نهاية شباط 2020 حيث واصل خام برنت نزوله إلى 50 دولار وخام تكساس الخفيف إلى 45 دولارا للبرميل الواحد. هذا الانخفاض كان سيصل إلى قيم أدنى لولا انخفاض صادرات إيران بسبب أزمتها الخارجية مع الولايات المتحدة وازماتها الداخلية المتعددة، وانخفاض صادرات ليبيا بسبب تجدد الأعمال العسكرية فيها. دول الخليج العربي، وبسبب هذا الهبوط في أسعار النفط ستعاني المزيد من العجز في موازناتها وبنسب متفاوتة، عليه ستسعى الى الضغط على إجتماع أوبك القادم في شهر مارس الحالي إلى المزيد من تخفيض الأنتاج بحدود 600- 700 الف برميل إضافي، وهي كمية وان حصل اتفاق بشأنها، لن تكون كافية لمواجهة التخمة الحالية في أسواق الذهب الأسود.
انخفاض اسعار
وفي العراق، لن تكون آثار انخفاض أسعار النفط أقل وقعا وايلاما على الاقتصاد العراقي، فالموازنة العامة للعام 2019 والتي حددت بـ 108 مليار دولار, كان العجز فيها 19 مليار دولار, حين كان السعر المقدر للنفط 56 دولارا للبرميل الواحد و إنتاج 3,8 ميلون برميل يومياً. أما في العام 2020 , فلو تم اعتماد طاقة تصديرية بحدود 3,5 مليون برميل، ومعدل سعر للبرميل بحدود 45 دولارا ( كحد أعلى) , عندها سيتجاوز النقص المتوقع في العائدات ( مقارنة بالعام 2019) الـ 13 مليار دولار. وبناء على ذلك, فإن العجز المتوقع في الموازنة العامة العراقية (عند إلأبقاء على الخطوط العامة للموازنة كما كانت في العام السابق) لن يقل, بأي حال من الأحوال, عن 30 مليار دولار. المتضرر الأكبر سيكون الجزء الاستثماري من الموازنة ( الموازنة الاستثمارية ) حيث سيصيبها الجزء الأكبر من العجز، فالارجح أن الموازنة التشغيلية (تشمل الرواتب والاجور التشغيلية لمؤسسات الدولة وخدماتها) لن تمس أو يجتزأ منها الكثير لحيويتها وصلتها بحياة المواطن ومع?يشته.
التاثيرات السلبية الاخرى ستكون الارتفاع المؤكد في المديونية (الدين العام) للدولة والتي تقدر حاليا بـ 140 مليار دولار، اضافة إلى صعوبة توفير التمويل اللازم للاتفاق العراقي- الصيني والذي وقعته حكومة السيد عادل عبدالمهدي في شهر أيلول 2019. ورغم الجدل وتباين الأراء بشأن هذا الاتفاق , الا أن الحكومة (السابقة) كانت تعول عليه في إنجاز العديد من مشاريع اصلاح البنية التحتية المتهالكة في البلاد, وفي بناء العشرات من المدارس والمستشفيات والالاف من الوحدات السكنية ومحـطات الـطاقـة وتنقـية الم?اه. الحلول للأزمة الإقتصادية التي بزغت على عتبة العام 2020، معروفة لخبراء ا?اقتصاد والمهتم?ن به ولن تبت?رها هذە المقالة المتواضعة. هذه الحلول ست?ون بانتظار اللمسات السحرية للحكومة العراق?ة الجديدة (الانتقالية ) والتي سيكون على رأس مهامها العمل ( أو على الأقل المحاولة) على إعادة هيكلة الاقتصاد العراقي وانتشاله من اقتصاد ريعي يعتمد على موارد النفط بشكل شبه كلي، الى اقتصاد تنشط ف?ه قطاعات الاقتصاد الاخرى من زراعة و صناعة وسياحة و ?متلك نظام ضريبي منصف للمواطن و مجزي للخزينة العامة. وقبل ذلك كله يتحتم على الحكومة الجديد تنشيط الأجهزة الرقابية المالية وهيئات النزاهة للمحافظة على المال العام و درء محاولات اهداره والتلاعب به من أ? طرف أو فئة مهما طالت أياد?ها واحتدت مخالبها في أجهزة الدولة ومؤسساتها.
اكاديمي كوردي
مشاهدة 2557
|