يتفق الكثيرون على أن الحراك الجماهيري الحالي في العراق، نتيجة حتمية لفقدان الثقة بين العراقيين وإهمال الدستور وتراكم الفشل خلال السنوات الماضية. ويتفقون على أن رفع مناسيب التصعيد وإشعال فتيل التوترات في الحراك الحالي الذي لا يخضع لقيادة معلومة، سيؤدي الى ولادة أزمات كبيرة وجديدة. خاصة وأن المتظاهرين يختلفون في رفع الشعارات التي تتراوح بين الحق والباطل، والمشروع وغيره، والممكن والمستحيل.
حاول الكثيرون إيجاد موطئ قدم في خارطة الحراك وملء فراغ قيادة التظاهرات، وركوب موجتها، والتموضع فيها، وتحريف مسارها، ولكن مشاعر الذين يشعرون بالتهميش، إضافة إلى النقمة على الفساد المستشري وعجز الحكومة في بغداد وكذلك الحكومات المحلية في وسط وجنوب العراق عن تقديم أبسط الخدمات. بقيت حاضرة عند الذين أنهكتهم التصدعات والصراعات والفساد، وأجمعتهم على رفض الوعود والتطمينات والدعوات والبيانات والمبادرات والتصريحات التكتيكية التي حاولت إخفاء الحقائق وإختزال مطالبهم في إستقالة عادل عبد المهدي أوسحب الثقة منه. خاصة وأن الجميع على يقين بأن عبد المهدي رجل لا يتشبث بالكرسي على حساب شعبه، وجاد في تضميد الجراح، والبحث عن الحلول الناجعة لأوضاع العراق الذي نخره فساد الذين سبقوه في الحكم، ويتألم ويتأذى مما يشهده الشارع العراقي من إراقة للدماء، وزيادة في اعداد الشهداء والجرحى، وتوسع هوة الانقسامات التي تنذر بالمزيد من التصعيد والصدام.
هذا الرفض، يهدد بزلزال يحول الشروخ الى إنشقاقات تربك الذين حاولوا ويحاولون ترسيخ حكم الطائفة والمذهب، وربما تلحق بهم هزائم مذلة تكسرهم وتبعدهم عن المشهد السياسي. ووضع الجميع في وضع يصعب فيه التكهن بمآلات المستقبل. كما دفع الخلافات القديمة الى السطح، وإنقسم المنقسمين الذين ثبت فشلهم وفسادهم فيما بينهم بين مؤيدين للتظاهرات في العلن ومعارضين لها في الخفاء، وفي إعلان المواقف، وفي وصف البعض من المتظاهرين بالمندسين والمحرضين على العنف. كما شتت الناطقين بإسم الأحزاب السياسية والبرلمان والحكومة ووزارات الداخلية والدفاع، وأصاب أصحاب الوجوه المكروهة بالخوف والتخوف وجنون الإرتعاب والإرتياب.
الذين إستهوتهم أحلامهم المريضة، وارتضوا والخنوع والارتماء والارتهان في أحضان الكراسي المكسورة المتهرئة وجاء بهم الاقدار في غفلة من الزمان، فكروا ملياً في حسابات تنقذهم وتنتشل واقعهم من المصير المأساوي المرير الذي ينتظرهم في مزابل التاريخ، وفي فرصة للبقاء والنجاة، واحتواء الاحتجاجات والتهرب من استحقاقات الإصلاح الحقيقي بالتسويف والمماطلة وتهدئة المحتجين بأي ثمن، وبعد عدد من الاجتماعات، إصطفوا وراء خدعة الترويج لتعديل الدستور بهدف تخديع المحتجين وتضييع الوقت من جهة، وإحياء المشروع الشوفيني المعادي للكورد وحقوقهم من جهة أخرى. ويعتبرونه استراتيجية طويلة المدى تضمن لهم البقاء، لأنها لاتكتمل، وترسم خارطة طريق للدوران في دائرة مغلقة لتضييع الوقت وتسويف المطالب المشروعة، والإستمرار لأطول فترة ممكنة للتحكم بمصير العراقيين.
الواهمون يعرفون أن لجنة التعديلات الدستورية ستدخل في حوارات بيزنطية لا نهاية لها، وتضيع بين دهاليز مراجعة الدستور، والمواد التي تستدعي التعديل، والبحث عن تغيير المرتكزات السياسية في العراق تحت الأطر الديمقراطية، والمشاورات القانونية وآراء أساتذة الجامعات والمختصين في القانون الدولي والدعم الفني من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وتدخلات إيران وأمريكا. وإن إكتملت ( بعد أشهر وربما سنة أو سنوات عدة) حسب أهواء ورغبات معينة بعيداً عن التوافق ومبدأ التوازن بين المكونات العراقية، ستطرح للاستفتاء من قبل العراقيين.
وفي الإستفتاء، إن لم يطمئن العرب السنة أو الكورد على أن لهم فيه مستقبلا يمكن ان يركنوا اليه، تتدنى عندهم مستويات التفاؤل والأمل، وتضيق بهم سبل الحياة، وستدفعهم غيرتهم الوطنية والشعور العالي بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية، الى الوقوف ضد التعديل، خاصة وفي الدستور مواد وفقرات تضمن لهم حق الرفض. وهذا يعني، في النهاية تفسير الماء بالماء وتحقيق مآرب الفاسدين، وتخطيهم المرحلة بأمان، كما سيجدون في الرفض سفينة للنجاة والخروج من الأزمة بفوائد شخصية وحزبية جديدة.
مشاهدة 2605
|