في خضم التطورات المتلاحقة، وفي تناغم واضح مع الأهداف والمآرب الشخصية والمذهبية والطائفية، يطلق الراغبون في ركوب موجة التظاهرات والإحتجاجات الشعبية في العراق، المبادرات والدعوات التي تتشابه من حيث المعنى والمضمون والأهداف والدوافع. وتحت عنوان التصدي للفوضى والعدوان والمؤامرة الخارجية وفرض الأمن والوقوف ضد الفتنة، يصفون المتظاهرين (الشيعة) مرة بالعملاء ومرة أخرى بالجهلاء. بينما يتفادون الإشارة الى الآفات والأزمات، وكشف الحقائق والوقائع بوضوح للرأي العام، وتوجيه الأصابع الى الجهات التي أوصلت البلاد الى حافة الإنهيار.
ويروج البعض الى تعديل الدستور وتغيير منظومة الحكم في البلاد، وكأن الدستور ونظام الحكم عاثا في الارض فساداً، والحقا الأذى بالحرث والنسل، وهؤلاء: إما لهم دوافع طائفية ومذهبية ويردون حكم الأكثرية وهضم حقوق بقية المكونات، وزيادة تأزيم الأوضاع في البلاد، وتقويض الديمقراطية والفدرالية. أو يريدون تصفية حساباتهم مع خصومهم السياسيين. أو احتواء الغضب المتصاعد في الشارع العراقي وقلب الطاولة على الحراك الشعبي، عبر إقحام الدستور في الأحداث، وإختزال مطالب المتظاهرين في تعديله، وبالتالي الدعوة الى الحق بهدف باطل.
هؤلاء وغيرهم، على يقين تام بأن علل العراق وأزماته تتخلص، بدون تردد أو مواربة، في إهمال الدستور الذي يتقدم على كل دساتير دول الجوار والمنطقة، ولا نجافي الحقيقة إنه ( رغم بعض الملاحظات على بعض بنوده) يضاهي أرقى دساتير العالم. والسؤال الأكبر الذي من الضروري توجيهه للذين يصدقون الأكاذيب واشتباكاتها ويكذبون الحقائق وصراعاتها والظروف وملابساتها، هو :
ماذا جنى الشيعة، الذين يدفعون فاتورة شيعيتهم، من حكوماتكم الشيعية؟
بعد إسقاط صدام، وصل الكثير من سياسيي الشيعة الى مواقع المسؤولية، والمناصب الحساسة في الحكومة، ولكنهم بدلاً من التحرك على الساحة السياسية لخدمة مكونهم وبقية المكونات العراقية، باتوا بارعين في الحيل، وخداع البسطاء من الناس، وربطهم بدوامة الخضوع لإرادتهم بأسم الله والدين والمذهب، وفشلوا في إقرار الأمن والسلام بما يكفل للمواطن حريته في النوم الهادىء في داره، وسيره في الشارع دون توجس، وفي عمله دون وجل. كما إستولوا على المال والسلاح، وحولوا مع المحيطين بهم طوال السنوات العجاف، محنة الشيعة الى مكاسب ذاتية وحزبية، والى منح مالية ومادية لأقاربهم وأتباعهم ومؤيديهم، وفي عهدهم تم إستغلال المناصب للفساد والافساد والنهب والاثراء غير المشروع، والترهيب والكذب والتبجح.
في المناطق الشيعية الواسعة التي كانت محرومة من كل شىء، لم يتم تشييد البنى التحتية الارتكازية، كالطرق والجسور، ومحطات توليد الطاقة، كما تم تعطيل المصانع التي كانت تعمل.
وعلى مدى السنوات العجاف من حكم نوري المالكي وحيدر العبادي عاش الكثير من المواطنون الشرفاء في جنوب العراق الزاخر بالخيرات، على ضوء الفوانيس، عاطلين عن العمل، وهم يواجهون البرد والحر دون ساعة راحة مع شبح الجوع والعوز والحاجة والبؤس، محرومين من السكن الصالح الذي يليق بإنسانية الإنسان، ويشربون المياه المالحة وغير الصافية. ومحرومين من البيئة النظيفة الخالية من المستنقعات، والحفر، والمطبات، والبعوض والذباب، والإمراض، وما زال الكثير منهم يعيش في مساكن من الطين والبردي والقصب أو من الصفائح، وحتى الذين يعيشون في المدن والقرى المهملة غالبيتهم يعانون من الأتربة والغبار ومن مصاعب العيش في الازقة المملوءة بالعفونة والمياه الآسنة.
الاطفال والمعلمون والمدرسون لم يشاهدوا مدارس عصرية تتوفر فيها الإنارة والتدفئة والتكييف، والمناهج الجديدة أو طرق التدريس الحديثة.
المشافي والمستوصفات القليلة عانت من قلة الأطباء وشحة الأدوية اللازمة والكلاب والقطط السائبة والصراصير والفئران والأجهزة القديمة العاطلة، وكانت النظافة فيها رجساً من عمل الشيطان.
أما الفلاح فقد حرم من المكننة الزراعية والبذور المحسنة والاسمدة الكيمياوية، وعانى من الآفات وهدم الترع وإنسداد المبازل.
وأخيراً نقول: في غمرة الأحداث التي نشهدها، تستحضر الذاكرة العطاء الثر والتضحيات الكبيرة والمواقف الوطنية التي قدمها الشيعة عبر مسيرتهم الطويلة على طريق الحرية والعدالة ومقارعة الظلم. ولا نعتقد إنهم سينخدعون مرة أخرى بأكاذيب وإفتراءات بعض السياسيين، وبالذات الذين يعلقون فشلهم الذريع على شماعة الدستور .
مشاهدة 2533
|