ZNA- أربيل
انضافت مشكلة التسرب النفطي في العراق خلال الآونة الأخيرة إلى أزمات أخرى يعاني منها القطاع الزراعي أصلا بسبب التغيرات المناخية مما يجعل الأراضي تتدهور ولا تنتج المحاصيل.
ووسط البساتين والتلال في شمال البلاد تتجمّع بقع سوداء راكدة هي بقايا تسرّب نفطي امتزج مع سيول مياه الأمطار الغزيرة، وهو تلوّث يتكّرر منذ سنوات ويتلف مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية.
وتعاني محافظة صلاح الدين منذ العام 2016 على الأقلّ من هذا التسرّب في البلد الذي أنهكت عقود من الحروب والنزاعات بنيته التحتية، ويواجه كذلك أزمة مناخية خطرة آخذة بالاتساع.
ويعكس هذا التلوّث المتكرر الذي يطال تلال منطقة حمرين والأراضي الزراعية المجاورة لها في قرية المعيبدي، عجز السلطات المحلية عن إيجاد حلول دائمة لوضع حدّ لهذا المعضلة.
ويقول المزارع أحمد شلاش الذي تضررت أرضه البالغة مساحتها خمسة هكتارات جراء تسرب النفط “ناشدنا رئاسة الوزراء ووزير الزراعة ووزير النفط لتعويض الفلاحين المتضررين من هذه الكارثة البيئية… إلا أننا لم نجد شيئا”.
وأوضح شلاش البالغ 53 عاما لوكالة فرانس برس أن بعض المزارعين رفعوا دعاوى بهدف الحصول على تعويضات من الدولة، لكنهم وجدوا أنفسهم داخل نزاع قانوني يدفعهم من محكمة إلى أخرى دون نتيجة.
ويعدّ العراق بلدا غنيا بالنفط الذي يمثل نسبة 90 في المئة من عائداته، كما أنه ثاني أكبر بلد منتج في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، ويصدّر يوميا حوالي 4 ملايين برميل.
ويمكن للعراق أن يواصل استغلال النفط على مدى 96 عاما مقبلة بفضل الاحتياطات الهائلة التي يملكها وفق البنك الدولي.
وقدر تقرير للبنك نشره الشهر الماضي تلوث 2.4 مليون هكتار من الأراضي الزراعية مع تدمير 47 في المئة من مساحات الغابات الطبيعية بفعل الأزمات على مدار أربعة عقود.
ويقول عبدالمجيد سعيد، وهو مزارع يملك ستة هكتارات من الأراضي تلوّثت بالنفط، لفرانس برس إن "النفط سرق مونة الأرض كلها". ويضيف "كل ما وضعنا بها البذور، تفسد ولم تعد هناك فائدة لهذه الأرض".
وتتكدّس الوحول الممزوجة بالنفط وسط التلال وتطفو برك مياه سوداء على التربة. وفي بعض البقع حيث جفّت الأرض، تكوّنت كتل سوداء متجمّدة.
وعلى مقربة من المنطقة، تقوم جرافات ببناء سواتر ترابية، وهو الحلّ الذي أوجدته السلطات المحلية لمنع سيول المياه الملوثة بالنفط من التسرّب باتجاه المزارع، لكن ذلك لا يلغي واقع أن الضرر قد وقع بالفعل.
ويقول محمد مجيد مدير دائرة البيئة في محافظة صلاح الدين إن المساحة التي تعرضت إلى تلوث بالنفط تقدر بنحو خمسة آلاف دونم (500 هكتار) كانت مزروعة بمحصولي الحنطة والشعير.
ويشرح المسؤول في حديث لوكالة فرانس برس أن السبب "هطول الأمطار بكميات كبيرة"، ما يسبب بطوفان “هذه المخلفات التي كانت متراكمة داخل كهوف طبيعية” في منطقة حمرين.
وتتعدد التفسيرات بشأن مصدر هذا النفط، لكن بحسب المزارعين والمسؤولين المحليين فإنّ لعناصر تنظيم داعش الذي سيطر على تلك المنطقة دورا في هذه المأساة.
وبعد سيطرتهم على مناطق واسعة من العراق في العام 2014 موّل المسلحون "خلافتهم" عبر سرقة النفط. ووضعوا يدهم في سلسلة جبال حمرين على حقلي نفط عجيل وعلاس، حيث قاموا بحفر أحواض لتخزين النفط فيها.
ويوضح مجيد أن عناصر التنظيم عمدت إلى “تفجير خطوط الأنابيب والآبار ما تسبب بنزول المخلفات” النفطية إلى الكهوف الطبيعية في حمرين.
وبعد استعادة السيطرة على المنطقة إثر هزيمة التنظيم المتطرف في العام 2017، قامت “القوات الأمنية بطمر هذه الخزانات”، وفق ما قاله عامر المهيري مدير هيئة الحقول النفطية في صلاح الدين لوكالة الأنباء العراقية. لكن عند هطول الأمطار، يطوف هذا النفط.
ويقول مجيد إن “ظاهرة السيول النفطية في منطقة حمرين والعلم تتكرر منذ العام 2016”. ويوضح أن الأرض تتأثر من خلال تخندق التربة وامتصاص المواد النفطية والزيوت في الأراضي.
ويؤكد أن “هذا الموضوع يكلف ويكبد الفلاح خسارة كبيرة”. ويشرح المسؤول أن “الفلاح سوف يخسر لعدم استغلال الموسم الشتوي في زراعة الحنطة”، مؤكدا في الوقت نفسه أن المزارعين المتضررين سيتلقون تعويضات عن خسائرهم.
ويضاف هذا التلوث إلى معاناة أخرى يواجهها المزارعون في هذا البلد نتيجة للتغير المناخي، وسط جفاف يرخي بظلاله على العراق للعام الخامس على التوالي. وبهدف توفير الموارد المائية، تعمد السلطات إلى تقليص المساحات المزروعة بشكل كبير.
ويقول مدير دائرة البيئة في صلاح الدين إن وزارته “فاتحت وزارة النفط” من أجل العمل على “التخلص من هذه المخلفات”. ويضيف المسؤول أن “استصلاح هذه التربة” يتمّ “من خلال قشط التربة ورفعها واستبدالها بتربة أخرى”.
ويشرح مجيد أن هذه المخلفات النفطية يمكن أن تؤثر أيضا على “منسوب المياه الجوفية والآبار” التي يستخدمها الفلاحون في المنطقة. كما أنّ هذا التلوث يؤدي إلى “انبعاث للغازات ولرائحة النفط الخام”.
مشاهدة 298
|