ZNA- أربيل
مع استهداف القوات الأميركية لقيادي في كتائب حزب الله العراقي، قد تدخل واشنطن وبغداد في مرحلة علاقات غير مستقرة في المستقبل القريب، بحسب ما يرى محللون
الضربة الأميركية التي نفذت، الأربعاء، استهدفت قياديا من كتائب حزب الله كان في سيارة بالعاصمة العراقية، بغداد. تأتي ضمن سلسلة هجمات للرد على استهداف القوات الأميركية في العراق وسوريا، والتي تعهدت واشنطن بالرد عليها "في الوقت والزمان المناسبين".
وأكد الجيش الأميركي شن غارة في العراق تسببت بمقتل قيادي من جماعة كتائب حزب الله العراقية المسلحة، دون إعلان اسمه، في حين أكد بيان للحشد الشعبي مقتل "أبو باقر الساعدي"، في حين ذكرت تقارير مقتل قياديين آخرين كانوا في السيارة ذاتها.
وتصنف واشنطن كتائب حزب الله منظمة "إرهابية" وسبق أن استهدفت الفصيل بغارات في العراق في الأسابيع الأخيرة.
ويشير محللون إلى أن هذه الضربة قد تكون لها تبعات بتنصل كتائب حزب الله من التزامها تجاه الحكومة العراقية فيما يخص وقف الهجمات على القوات الأميركية، والرد بشكل عنيف على القواعد التي تستضيف قوات أميركية في العراق أو سوريا، وحتى قد تطال المنشآت الدبلوماسية الأميركية في العراق.
الساعدي والعلياوي.. من هما؟
وأعلنت كتائب حزب الله في بيان عن مقتل "وسام محمد صابر الساعدي" الذي يعرف يكنى بـ "أبو باقر الساعدي"، القيادي البارز بالضربة الأميركية.
وكان الساعدي مسؤولا عن "ملف سوريا العسكري" في كتائب حزب الله وفق مصدر في هذا الفصيل تحدث لوكالة فرانس برس، مفضلا عدم الكشف عن هويته.
وأفاد مراسل "الحرة" بمقتل قيادي في الحشد الشعبي جراء استهداف سيارة بضربة بطائرة مسيرة شرقي العاصمة.
وأضاف أن أبو تحسين الحميداوي وهو آمر لواء في الحشد الشعبي قتل في الاستهداف مع شخصين آخرين كانا في ذات السيارة المستهدفة.
وأشار إلى أن هناك أنباء عن مقتل القياديين في كتائب حزب الله أبو باقر الساعدي وأركان العلياوي في القصف.
الباحث والكاتب السياسي العراقي المقيم في برلين، أحمد العلواني، كان قد أكد في منشور عبر منصة "إكس" أن الضربة الأميركية استهدفت مركبة بعد خروجها من مكتب هادي العامري القيادي في منظمة بدر، حيث تسببت الضربة في مقتل "أبو باقر الساعدي.. مسؤل قاطع جرف صخر، وأركان العلياوي مدير استخبارات كتائب حزب الله في جرف صخر".
رائد الحامد، باحث وكاتب عراقي في الحركات الإسلامية المسلحة أشار إلى أنه ليس الأهمية بالأشخاص الذين تم استهدافهم، إنما لأنهم ضمن قيادات كتائب حزب الله العراقي.
وأضاف في حديث لموقع "الحرة" أن المعلومات تشير إلى استهداف أبو باقر الساعدي، وهو من يدير جناح القوة الجوية والتي تمتلك الصواريخ، إضافة لمقتل أركان العلياوي وهو يترأس الاستخبارات وتبادل المعلومات في الكتائب".
وأشار إلى أنه لا توجد الكثير من المعلومات عن هؤلاء، أو حتى مدى تأثر هيكلية كتائب حزب الله بمقتل القياديين، خاصة وأن "تسلسل هيكل قيادتهم يشوبه الكثير من التعتيم والغموض".
ويرجح الكاتب الحامد إلى أن الضربة التي نفذتها القوات الأميركية الأربعاء ستشكل "تحديا كبيرا لكتائب حزب الله، وقد تكشف لهم عن اختراق أميركي مكن قواتها من استهداف القياديين في الكتائب".
ويعد الفصيل واحدا من أبرز فصائل "المقاومة الاسلامية في العراق" التي تبنّت في الأسابيع الأخيرة عشرات الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش في العراق وسوريا.
ومنذ منتصف أكتوبر، تعرضت القوات الأميركية والتحالف الدولي المناهض للمتطرفين في العراق وسوريا، لأكثر من 165 هجوما في انعكاس مباشر للحرب الدائرة في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية.
سيناريوهات ما بعد الضربة الأميركية
"ضربة مفاجئة"، هكذا وصف المحلل السياسي العسكري الأميركي في معهد هدسون، ريتشارد وايتز، الضربة الأميركية التي استهدفت قادة في كتائب حزب الله العراقي.
وشرح في اتصال هاتفي أن مثل هذه الضربات قد "تكون محفوفة بالمخاطر بسبب الوضع الدقيق للقوات الأميركية الموجودة في العراق".
وزاد وايتز أن الهدف من "الضربات الأميركية التي اتخذت منحى التصعيد، إلا أنها تريد التهدئة لما يحصل من توترات في المنطقة، وبكلمات أخرى واشنطن قد تزيد من العنف بضربات محددة بهدف تهدئة ما يجري في المنطقة".
وذكر أن ما يحصل قد يدفع إلى سيناريوهين: "الأول بأن يدفع ما يحصل من هجمات إلى ردع إيران ووكلائها، وذلك مثلما حصل عندما تم استهداف وقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، والثاني بأن نشهد استئنافا لهجمات أعنف على القوات الأميركية من قبل إيران ووكلائها في الشرق الأوسط".
ورجح أن "الضربات الحوثية التي تعكر استقرار البحر الأحمر ستستمر، لكن رد فعل الميليشيات الإيرانية في العراق لا يزال غير معروف على وجه الدقة"، مستدركا أن "السيناريو الأسوأ سيكون بأن ترتفع وتيرة الهجمات على القوات الأميركية في العراق وسوريا، وفي الوقت ذاته استمرار بغداد بطلبها بمغادرة القوات الأميركية".
وتقول الميليشيات العراقية الموالية لإيران إن هجماتها تأتي تضامنا مع غزة وضد الدعم الأميركي لإسرائيل في حربها على حماس، لكنها تطالب كذلك بانسحاب حوالي 2500 جندي أميركي منتشرين في العراق في إطار التحالف الدولي.
وأشار وايتز إلى أننا قد نشهد معضلة بطلب مغادرة القوات الأميركية، حيث قد تصبح بغداد غير راغبة ببقائها وفي الوقت إقليم كوردستان سيبقى داعما لوجود قوات أميركية.
وعدّ رئيس خلية الإعلام الأمني، اللواء تحسين الخفاجي "الاستهداف الأميركي لعجلة تابعة إلى الحشد الشعبي عدوانا واضحا وخرقا للسيادة العراقية"، محذرا من "جر المنطقة إلى تداعيات خطيرة"، بحسب بيان نشرته وكالة الأنباء العراقية "واع".
وقال إن "هذا العدوان الجديد يقوض كل التفاهمات"، مضيفا أن العراق "يحمل الجانب الأميركي وقوات التحالف تداعيات هذه الأعمال الخطيرة التي تهدد أمن وسلامة البلاد ونسف واضح لكل المحادثات التي تحدث بين الجانبيين".
ويؤكد المحلل وايتز أن الوجود الأميركي في الشرق الأوسط، له العديد من الأهداف وقد يكون "محاربة التنظيمات الإرهابية المتطرفة في المنطقة، ولكنه أيضا لموازنة ما يحصل في الشرق الأوسط والحد من النفوذ الإيراني".
ويشير الموقع الإلكتروني للقيادة المركزية الأميركية "سنتكوم" إلى أن "ردع إيران" يأتي في أعلى أولويات الأنشطة العسكرية الأميركية بالتعاون مع حلفائها لزيادة الأمن والاستقرار في المنطقة.
وقال مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جون ألترمان، لوكالة فرانس برس "أعتقد أننا سنشهد استمرار مستوى معين من العنف لبعض الوقت. إيران والمجموعات التي تدعمها لا تريدان إعلان الاستسلام".
وأضاف "في الوقت ذاته، أعتقد أن عدد الهجمات وحجمها سيتضاءلان، ويعود ذلك إلى سببين الأول هو أن الضربات الأميركية تقلل من قدراتهما، والثاني هو أنهما تريدان قليل الخسائر".
وتقول الولايات المتحدة إن طهران مسؤولة عن تسليح وتمويل المجموعات التي تنفذ الهجمات، لكنها لم تستهدف إيران حتى الآن إذ تسعى لتجنب حرب مدمرة محتملة.
وقال ألترمان إن "مواجهة مباشرة كبرى تهدد بالتسبب في اندلاع حرب إقليمية مفتوحة بدون نهاية أو أهداف واضحة".
وأضاف "لا أعتقد أن الشعب الأميركي يريد حربا مفتوحة في الشرق الأوسط وهذا ينطبق على أصدقاء أميركا وحلفائها في المنطقة".
وردا على سؤال عما إذا كان البنتاغون يخطط لحملة عسكرية طويلة في العراق وسوريا، قال الناطق باسمه، الجنرال بات رايدر: "كما أرى الأمر، لن تكون تلك هي الحال".
وأضاف رايدر ردا على سؤال عما إذا كانت الضربات الجوية ستستمر طالما أن الهجمات على القوات الأميركية متواصلة "سنتخذ كل الإجراءات الضرورية المطلوبة لحماية قواتنا".
وقالت ميشيل غرايز وهي باحثة في مجال السياسات في مؤسسة "راند" غير الربحية إن "هناك احتمالا أن نشهد استمرار الهجمات بالوكالة طوال فترة الحرب (بين إسرائيل وحماس) علما أن شدة تلك الهجمات وتواترها قد تتغيران".
وأضافت لوكالة فرانس برس أن هناك سيناريو تستمر فيه الهجمات حتى بعد انتهاء الحرب، لكنها أشارت إلى أنها تتوقع "أن تؤدي هدنة ممددة إلى وقف الهجمات الحالية، على الأقل في المدى القريب".
وأدى الغضب من الحملة الإسرائيلية على قطاع غزة والتي بدأت عقب هجوم 7 أكتوبر الذي شنته حماس، إلى تأجيج أعمال العنف التي انخرطت فيها المجموعات المسلحة المدعومة من إيران في لبنان والعراق وسوريا واليمن.
وتوقع الكاتب الحامد أن تتنصل كتائب حزب الله "من التزامها مع الحكومة العراقية بوقف الهجمات على القوات الأميركية، حيث سنشهد عودة لهجمات أكثر عنفا على القواعد التي تستضيف قوات أميركية".
ولم يستبعد الحامد استهداف السفارة الأميركية في بغداد أو القنصلية الأميركية في أربيل، أو قاعدة عين الأسد وحرير.
وقال مصدر أمني لوكالة رويترز عقب الغارة الأربعاء، إن القوات الخاصة العراقية في حالة تأهب قصوى في بغداد وأن مزيدا من الوحدات نشرت داخل المنطقة الخضراء التي توجد بها بعثات دبلوماسية دولية منها السفارة الأميركية.
وأعلنت كتائب حزب الله، أواخر يناير، "تعليق" العمليات العسكرية والأمنية ضد الولايات المتحدة في البلاد بغية عدم "إحراج" الحكومة العراقية، وذلك بعدما تعهّدت واشنطن الرد "بالطريقة الملائمة" على الهجوم في الأردن.
وعلى الرغم من إعلانها تعليق هجماتها، أوصت الكتائب في بيانها مقاتليها "بالدفاع السلبي مؤقتا، إن حصل أي عمل أميركي عدائي تجاههم".
واستطرد الحامد أن كتائب حزب الله العراقي "تعتبر الفصيل الأكثر نفوذا بين الفصائل الأخرى في الداخل العراقي، ويمتلك ترسانة متقدمة من الأسلحة بما في ذلك صواريخ وطائرات مسيرة موجهة".
وتابع أن "قدرات هذا الفصيل العسكرية لا تتوقف عند امتلاكهم للأسلحة التي زودتهم بها إيران منذ عام 2019 وما قبل ذلك، إذ لديهم قدرات لتصنيع وتطوير صواريخ ومسيرات".
ويعتقد الحامد أن التقديرات الاستخباراتية الغربية تشير إلى أن كتائب حزب الله هي المسؤول المباشر عن الهجمات التي تعرضت لها القوات الأميركية في العراق وحتى سوريا خلال الفترة القريبة الماضية، بالتعاون مع حركة النجباء وكتائب سيد الشهداء وأنصار الله.
وتعرضت الكتائب لضربات أميركية سابقا في أواخر 2019، وهو ما أدى وقتها إلى اقتحام أنصارهم وأنصار الحشد الشعبي المنطقة الخضراء، وتفاقمت الأمور حينها وانتهت بمقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، قاسم سليماني وبرفقته أبو مهدي المهندس مطلع 2020، بحسب الحامد.
وقبل أسبوع، شنت الولايات المتحدة ضربات في سوريا والعراق ضد أهداف لقوات لفيلق القدس، الوحدة الموكلة العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني، وفصائل مسلحة موالية لإيران.
وجاءت تلك الضربة ردا على هجوم تعرضت له قاعدة لوجستية للقوات الأميركية في 28 يناير الماضي في الأردن على مقربة من الحدود مع سوريا والعراق، وأدى إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين.
وأسفر الرد الأميركي بضربات استهدفت مواقع في العراق، قرب الحدود مع سوريا، عن مقتل 16 مسلحا من الحشد الشعبي، وهو تحالف يضم فصائل مسلحة مرتبطة بإيران، وبات عناصره جزءا من القوات الرسمية العراقية. ومنذ أسابيع، يجد العراق نفسه وسط التوترات التي تشهدها المنطقة، على الرغم من الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الحكومة العراقية بهدف خفض التصعيد، مع شريكتيها إيران والولايات المتحدة، بحسب وكالة فرانس برس.
ما هي كتائب حزب الله؟
تأسست كتائب حزب الله في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003، وهي إحدى فصائل النخبة المسلحة العراقية الأقرب إلى إيران.
وهي أقوى فصيل مسلح في المقاومة الإسلامية في العراق، وهي مظلة تضم جماعات شيعية مسلحة متشددة أعلنت مسؤوليتها عن أكثر من 150 هجوما على القوات الأميركية منذ بدء حرب غزة، بحسب وكالة رويترز.
بعد تأسيسها، سرعان ما اكتسبت الجماعة شهرة فيما يتعلق بالهجمات التي أسفرت عن سقوط قتلى ضد أهداف عسكرية ودبلوماسية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، باستخدام مزيج من هجمات القناصة والصواريخ وقذائف الهاون والقنابل المزروعة على جوانب الطرق. ولا تؤكد الجماعة أو تنفي ضلوعها علنا.
صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية عام 2009.
كان يقودها العراقي الإيراني أبو مهدي المهندس حتى مقتله في هجوم أميركي بطائرة مسيرة عام 2020 مع قائد فيلق القدس الإيراني سليماني في مطار بغداد الدولي.
وتعتنق الجماعة أيديولوجية شيعية عابرة للحدود، وتنظر إلى الحدود بين العراق وسوريا ولبنان على أنها حدود غربية. وتعتبر القوات الأمريكية في العراق قوات احتلال أجنبية وتدعو إلى طردها بالقوة.
قاتلت إلى جانب ميليشيات شيعية أخرى ضد مقاتلي المعارضة وأغلبهم من السنة خلال الحرب الأهلية في سوريا وواصلت العمل في سوريا منذ ذلك الحين.
وتشير الوكالة إلى أنها جماعة غامضة ليس لها هيكل قيادي معلن، ولديها آلاف المقاتلين وترسانة من الطائرات المسيّرة والصواريخ والقذائف الباليستية قصيرة المدى، حسبما يقول مسؤولون عراقيون وأعضاء في الجماعة.
قصفت الولايات المتحدة مواقع وقواعد ومراكز تدريب ولوجستية لكتائب حزب الله عدة مرات على مر السنين.
وفي 24 يناير، ضربت عدة أهداف في معقل كتائب حزب الله في جرف الصخر على بعد حوالي 50 كلم جنوبي بغداد ردا على هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ.
تشكل عدة كتائب في قوات الحشد الشعبي العراقية، وهي مجموعة من الفصائل المسلحة تشكلت في الأصل لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2014 وتم الاعتراف بها فيما بعد كقوة أمنية رسمية.
ويتلقى المقاتلون رواتب من الدولة، ويشغل أعضاء كتائب حزب الله، وبعضهم تصنفهم الولايات المتحدة إرهابيين، مناصب عليا في قوات الحشد الشعبي.
وفي حين أنها تخضع من الناحية الفنية لقيادة رئيس الوزراء العراقي كجزء من قوات الحشد الشعبي، إلا أن المجموعة تعمل في كثير من الأحيان خارج سلسلة القيادة وتحدت ورفضت التصريحات الحكومية التي تدعو إلى إنهاء الهجمات على القوات الأميركية.
على الرغم من أنها لا تؤكد أو تنفي الصلات علنا، إلا أنه يُنظر إلى الجماعة على نطاق واسع على أنها شكلت حزبا سياسيا لأول مرة في انتخابات 2021 في العراق، وفازت بعدة مقاعد في البرلمان.
مشاهدة 346
|