ZNA- أربيل
تتّجه الولايات المتّحدة بشكل متدرّج نحو التوسع في استخدام ورقة العقوبات المالية في الصراع الذي تخوضه في العراق من أجل الإبقاء على قواتها داخل أراضيه، وكف يد الميليشيات الشيعية عن استهداف مواقع تمركزها هناك.
وتدرك واشنطن مدى فاعلية تلك الورقة وقدرتها على التأثير بالنظر إلى متانة الارتباط الاقتصادي والمالي للعراق بالولايات المتّحدة.
وبالتوازي مع الشروع في فرض عقوبات جديدة على بعض الشخصيات والمؤسسات المالية العراقية، بدأت إدارة جو بايدن بالتعبير عن مؤاخذاتها للنظام المالي العراقي وتوجيه الإنذارات للحكومة العراقية بشأن وجود اختراقات من قبل الميليشيات لذلك النظام والاستفادة منه في تمويل أنشطتها.
وقال مسؤول كبير في وزارة الخزانة الأميركية إن واشنطن تتوقع أن تساعدها الحكومة العراقية في تحديد وعرقلة تمويل الفصائل المسلحة المدعومة من إيران في البلاد.
وأعلنت تلك الفصائل مسؤوليتها عن أكثر من مئة وخمسين هجوما على القوات الأميركية في العراق وسوريا منذ تفجّر الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضي، حيث تضع تلك الفصائل استهدافها لمواقع تمركز تلك القوات تحت عنوان دعم حماس وقطاع غزّة.
وليست تلك الهجمات هي فقط ما يقلق الإدارة الأميركية، ولكن أيضا ما استتبعها من توجه حكومة بغداد لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق.
ويشكّك متابعون للشأن العراقي في إمكانية مضي حكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني في ذلك المسعى إلى الآخر من دون تعريض العلاقات الأميركية – العراقية الواسعة، وخصوصا في شقها الاقتصادي والمالي للاهتزاز.
ويقولون إنّ السوداني يعلم جيدا أن فرض أيّ قرار لا ترتضيه الولايات المتحدة بشأن وجود قواتها في العراق يرقي إلى مرتبة المقامرة التي لا يستطيع العراق تحمّل تبعاتها.
وفي ما يمكن اعتباره إنذارات أولية للجانب العراقي فرضت الخزانة الأميركية عقوبات على بنك الهدى العراقي قائلة إنّه “وسيلة لتمويل الإرهاب ومصدر لغسيل الأموال”. وذكرت في بيان أن الوزارة “تستخدم أدوات قوية لحماية النظام المالي الدولي والعراقي من استغلال ممولي الإرهاب، والمحتالين والمتورطين في غسيل الأموال”.
كما نص قرار الخزانة الأميركية على فصل البنك العراقي عن النظام المالي الأميركي من خلال حظر المؤسسات والوكالات المالية المحلية من فتح أو الاحتفاظ بحساب مراسل لبنك الهدى أو نيابة عنه.
وأشارت إلى أن “بنك الهدى ورعاته الأجانب مثل إيران يقومون بتحويل الأموال التي يمكن أن تدعم الأعمال المشروعة والتطلعات الاقتصادية للشعب العراقي، إلى أموال تُسخّر للعنف الذي يهدد استقرار العراق وحياة المواطنين الأميركيين والعراقيين على حد سواء”.
وقبل ذلك بأيام فرضت واشنطن عقوبات على شركة الطيران العراقية الخاصة فلاي بغداد بسبب تسهيلها نقل أسلحة وعناصر جماعات مسلّحة ضالعين في العنف.
وقال مسؤول وزارة الخزانة الأميركية لوكالة رويترز “فقدنا أرواح أميركيين في قصف الميليشيات لقاعدتنا في الأردن”. وأضاف “بصفة عامة هذه الجماعات تستغل العراق وتستفيد من أنظمته المالية وهيكله المالي من أجل استمرار هذه الأعمال، وعلينا أن نتعامل مع ذلك بشكل مباشر”.
وطالب المسؤول الأميركي بغداد بالمزيد من التعاون للحدّ من وصول الفصائل المسلّحة إلى الموارد المالية للدولة العراقية قائلا “توقعاتنا في وزارة الخزانة هي أن هناك المزيد الذي يمكن أن نفعله معا لتبادل المعلومات وتحديد كيفية عمل هذه الميليشيات هنا في العراق”.
ويعتمد العراق، وهو حليف لكل من الولايات المتحدة وإيران ولديه احتياطيات تزيد عن 100 مليار دولار في الولايات المتحدة، بشكل كبير على حسن نية واشنطن لضمان عدم عرقلة وصوله إلى عائدات النفط والموارد المالية.
ووصلت الحكومة العراقية الحالية إلى السلطة بدعم من الأحزاب والجماعات المسلحة القوية المدعومة من إيران التي لها مصالح في الاقتصاد الذي يسيطر عليه القطاع غير الرسمي إلى حد كبير، بما في ذلك القطاع المالي الذي ينظر إليه منذ فترة طويلة على أنه بؤرة لغسيل الأموال.
ومع ذلك أشاد مسؤولون غربيون بالتعاون مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي تهدف إلى الحد من قدرة إيران وحلفائها على الحصول على العملة الأميركية وجعل الاقتصاد العراقي يتماشى مع المعايير الدولية.
ويتضمن ذلك حملة لربط البنوك بالنظام المالي الدولي وتشجيع المدفوعات الإلكترونية في مجتمع يظل فيه التعامل النقدي هو الأساس.
وقال مسؤول وزارة الخزانة “أعتقد أنه خلال 12 إلى 13 شهرا فقط شهدنا قدرا هائلا من التقدم في كل تلك المجالات”.
وللعراق تجربة عملية سابقة تؤكّد مدى فاعلية العقوبات المالية وقدرتها الكبيرة على التأثير في وضعه المالي والاقتصادي، حيث كان النظام المالي العراقي معزولا عن العالم بسبب العقوبات الدولية التي فرضت في التسعينات بعد غزو الرئيس السابق صدام حسين للكويت.
ورفعت العقوبات بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 وأطاح بنظام حزب البعث، لكن لم يتم إحراز تقدم يذكر صوب إصلاحات القطاع المالي خلال سنوات العنف الطائفي الذي أعقب الغزو.
واكتسبت الجماعات المسلحة والأحزاب الشيعية المقربة من إيران نفوذا أكبر في بغداد بعد الغزو، وتُشكل معا أكبر قوة سياسية على الرغم من أنها لا تتفق في الكثير من الأحيان.
وتماشيا مع العقوبات الأميركية على إيران حاولت واشنطن الحد من وصول الإيرانيين إلى الدولار في العراق وفرضت تدقيقا متزايدا في عام 2022 على مزاد للعملة الأميركية يديره البنك المركزي العراقي، وكشفت الكثير من الفواتير الوهمية التي دلّت على أنّ المزاد مصدر رئيسي لتحويل الدولارات بشكل غير مشروع.
ويطلب البنك المركزي العراقي الدولارات من احتياطي البلاد من البنك المركزي الأميركي ويبيعها إلى البنوك التجارية، التي تبيع بدورها للشركات في الاقتصاد المعتمد على الاستيراد. ويتم طرح حوالي 200 مليون دولار في المزاد يوميا.
وفي العام الماضي أدرجت الولايات المتحدة أربعة عشر مؤسسة بنيكة عراقية صغيرة قالت الخزانة الأميركية إنّها شاركت في هذا المزاد، على القائمة السوداء.
ودعت واشنطن بغداد في السابق إلى القيام بدور أكثر فاعلية في معالجة المخاوف المتعلقة بالبنوك. وقال مسؤول وزارة الخزانة الأميركية “نحن لا نحاول الوصول إلى الكمال”، مستدركا بالقول “لديّ في الواقع بعض الثقة في أننا سننجح في جعل العراق يفي بالمعايير الدولية في مواجهة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وهذا سيقوض إلى حد كبير القدرات المالية غير المشروعة لهذا النظام”.
مشاهدة 271
|