ZNA- أربيل
شهدت وسائل التواصل الاجتماعي في العراق خلال الأيام التي تلت الهجمات الصاروخية التي شنتها إيران على إقليم كوردستان موجة من التصعيد، اتسمت بزيادة في وتيرة الخطابات والنعرات القومية والمناطقية ضد الإقليم وساسته وقواه السياسية، واتهم مراقبون "الذباب الإلكتروني" الموجه والتابع لقوى سياسية وفصائل مسلحة مرتبطة بإيران بإثارتها بطريقة منظمة، بغية إثارة توتر وضغط على إقليم كوردستان.
فعقب الهجوم على أربيل مباشرة، ليلة 15 كانون الثاني (يناير) الحالي، رصد مراقبون مئات المنشورات والكتابات والمقاطع المفبركة التي نُشرت في وقت واحد خلال ساعات قليلة، رجّح خبراء أنها أُعدت سلفاً، وبثها أشخاص وحسابات وهمية، تتقصد أمرين معينين، تحميل إقليم كوردستان تبعات هذا الهجوم وأسبابه من خلال اتهامه بالارتباط بأجندة خارجية، وادعاء وجود علاقات استخبارية وأمنية بين الإقليم وإسرائيل، ومن جهة أخرى تصوير الموقف الإيراني باعتباره "دفاعاً عن النفس"، من خلال إخراج الموضوع من مساحة "السيادة العراقية" المفترضة، الأمر الذي تسبب بردود فعل حادة، خلطت في الكثير من الأحيان بين مرامي تلك الحسابات الموجهة، والموقف العام للعراقيين، خصوصاً أن تلك الهجمات أسفرت عن وقوع العديد من الضحايا، بالذات من المدنيين والأطفال.
شقاق مزمن ومستمر
الوتيرة زادت عقب الهجمات التي شنتها الطائرات الأميركية على مواقع للحشد الشعبي العراقي المقرب من إيران، ليلة 24 كانون الثاني، إذ صارت الحسابات والأشخاص أنفسهم يتهمون إقليم كوردستان وقواه السياسية بتأييد تلك الهجمات، ومؤازرة الولايات المتحدة، معتبرين ذلك جزءاً من سلوك عام للإقليم، قائم على عدم الموالاة والدفاع عن العراق، ما أنتج سوء تفاهم وشقاقاً داخلياً على مستوى العراق في وسائل التواصل الاجتماعي.
بحسب بعض الإحصاءات غير الرسمية، شهدت الساعات الأولى للهجمات أكثر من 1500 تدوينة وكتابة ومقطع مفبرك، كانت كلها ذات توجه واحد، وأضعافها من التعليقات على المواقع الخبرية، المحلية والدولية، التي تناولت الموضوع. استمرت الحملة خلال اليومين التاليين، ما أدى إلى تحول الأخبار المفبركة إلى جوهر النقاش العام، على حساب المسألة الرئيسية المتمثلة بالهجمة الصاروخية، أسبابها ونتائجها، الأمنية والسياسية والاقتصادية. فقد نُشرت صور مفبركة لرجل الأعمال الكوردي بيشرو دزيي - الذي قضى في استهداف الهجمة الإيرانية منزله - مع "ضباط استخبارات وقادة أجهزة أمنية إسرائيلية"، وبُثت مقاطع بترجمات وتفسيرات مفبركة للضحية، كانت كلها مع شخصيات اقتصادية أجنبية، قالت تلك الحسابات إن الظاهرين هُم شخصيات استخبارية وعسكرية إسرائيلية، وامتد الأمر إلى ادعاء وجود مناطق ضمن الإقليم هي معسكرات للجيش الإسرائيلي وأجهزته الأمنية.
منشورات وحملة منظمة
الخبير الإعلامي شبال هماوند شرح في حديث إلى صحيفة "النهار العربي" اللبنانية ما يرى أنها دلائل مباشرة تؤكد الطبيعة القصدية والمنظمة لتلك المنشورات، وأهدافها السياسية والإعلامية لإثارة النعرات، التي تسميها الأوساط العامة في العراق بـ"الذباب الولائي"، في إشارة إلى ولاء الجهات الواقفة خلفه لإيران، وقال: "كيف لعشرات الحسابات المعروفة سابقاً للمراقبين أن تبقى خاملة أشهراً عدة، ومن ثم تنشط فجأة كلها دفعة واحدة، تنقل أخباراً ومعطيات مفبركة في وقت واحد، وكلها ممولة ومركزة على المناطق الجغرافية في وسط العراق وجنوبه تحمل خطاباً متطابقاً في مضامينه، ليس من دلالة أكثر من ذلك على هويتها، خصوصاً أن تلك المنشورات تبقى حية وناشطة طوال ثلاثة أيام متتالية، من دون أي استراحة وتوقف عن العمل، وهو ما يتناقض مع طبيعة النشاط البشري، ويدل إلى أن الحساب نفسه يديره أكثر من شخص واحد خلال حصص عمل دورية يتناوبون عليها. الأكثر إثارة هو أن معظم تلك الحسابات ذات هويات مجردة، مجهولة الهوية الشخصية والمؤسساتية، بأسماء مستعارة وشخصيات رمزية ومؤسسات غير معروفة في العراق، بل على العكس تماماً، تهاجم بانتظام الجهات التي تصدر الأخبار الموضوعية والمؤكدة المستندة إلى تصريحات مؤكدة وأخبار ميدانية".
وأضاف هماوند: "لم يكن غريباً أن تدفع تلك الحسابات بعبارات وتقسيمات شديدة الحساسية لا لتأثير على الطبقات الاجتماعية، خصوصاً أقلها تعليماً واطلاعاً وقدرة على التمييز بين الأخبار المؤكدة والحرفية والمتوازنة، وبين ما يناظرها من أخبار مفبركة ومتقصدة، مستخدمة عبارات مثل عرب/كورد وعراقيين/أجانب ووطنيين/عملاء. ففي هذه الحالة، ومع كثافة العرض، لا يمكن التعويل على الوعي العام، خصوصاً في ظل الظرف الخاص والانقسام السياسي التفصيلي في ملفات أخرى ضمن الفضاء الوطني العراقي".
الخبراء ألقوا باللائمة على السلطات الحكومية العراقية، وزارة الداخلية وشبكة الإعلام العراقي، التي نشطت خلال الشهور الماضية في مواجهة ما أسمته "المنشورات ذات المستوى الهابط"، لكنها لا تزال عملياً تعتمد على قانون صدر قبل أكثر من نصف قرن، لمقاضاة "نشر الأخبار الكاذبة"، والذي يعتمد على الادعاء الشخصي والأخبار التي تتقصد مؤسسات الدولة، من دون نشاط وسلطات لهيئة الادعاء العام وباقي أجهزة القضاء.
يُعرف العراق كأكثر بلدان العالم غرقاً بالأخبار الكاذبة، بما في ذلك على وسائل الإعلام الأكثر حرفية، وقد زادت خلال العام الماضي عن 7000 خبر مفبرك، تُتهم القوى السياسية المركزية بالوقوف خلف معظمها. لكن الأخبار المفبركة التي تستهدف إقليم كوردستان هي الأكثر حضوراً. فطوال العام الماضي، وفي مسائل تتعلق بالخلافات المالية والمسألة النفطية وأي تفصيل خلافي بسيط، سياسي أو رياضي أو شخصي، كانت مئات الحسابات تنشط في تعكير الأجواء من خلال الأخبار المفبركة وبث الخطابات المناهضة للإقليم. تستخدم تلك الحسابات اللغة العربية وتستفيد من عدم قدرة الغالب الأعم من مواطني إقليم كوردستان على الرد والتفنيد باللغة نفسها.
مشاهدة 316
|