ZNA- أربيل
أصبح العراق من بين البلدان التي تنتشر فيها المخدرات بشكل واسع مع ازدياد عمليات التهريب عبر الحدود من إيران وأخيرا سوريا، واستهدفت آفة الإدمان فئة كبيرة من الشباب ما دفع الجهات المعنية إلى افتتاح أعداد من المؤسسات المختصة لا تعتبر كافية بالنسبة لعدد المتعاطين، ورغم ذلك لا تجد إقبالا كافيا من قبل أصحاب الإرادة للإقلاع عن الإدمان.
وحتى بغياب الأرقام الرسمية يمكن الاستدلال على ازدياد تعاطي المخدرات في المجتمع وفقا لما تعلنه القوات العراقية من حملات متلاحقة ضد عصابات وتجار المخدرات في البلاد، أدّت إلى اعتقال العشرات من تجار ومتعاطي المخدرات.
المدمن باعتباره مريضا
تعلن وزارة الصحة العراقية بين الحين والآخر عن افتتاح مراكز جديدة لمعالجة متعاطي المخدرات في المحافظات العراقية، لكنها تقول إن الإقبال دون المستوى المطلوب لكنه في تصاعد. إذ لا يزال الخوف من المساءلة القانونية وقلّة الوعي والتحفظ الاجتماعي يعيق العلاج.
وأفاد المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر بأن في كل محافظة يوجد على الأقل مركز أو ردهة أو استشارية لعلاج حالات الإدمان، وفي بغداد هناك أكثر من مركز أهمها وأكبرها مركز القناة لإعادة تأهيل وعلاج حالات الإدمان، الذي افتتحه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
وكان السوداني قد افتتح في فبراير 2023 مركز القناة للتأهيل الاجتماعي، ويتضمن 150 سريرا، بعد إعادة تأهيله، والذي يعتبر من المراكز الرئيسية لتأهيل المدمنين في بغداد. ويحتوي على أسّرة فندقية من الدرجة الأولى وجناح خاص بـ16 سريرا وغرف عزل خاصة للمرضى شديدي الإدمان.
كما يحتوي أيضا على قاعات رياضية وملعب خماسي وعيادات استشارية (باطنية وأسنان ونفسية)، ويوجد في المركز أطباء وباحثون نفسيون.
ويتبع المركز إداريا إلى دائرة مدينة الطب التعليمية، ويستقبل المدمنين من جميع محافظات العراق والوحدات العسكرية، والمركز مفتوح على مدار 24 ساعة ويكون استقبال المرضى صباحا يوميا.
ونوّه المتحدث باسم وزارة الصحة بأن “وزير الصحة أعلن البدء بإنشاء أكثر من مركز في المحافظات، نظرا للحاجة إلى زيادة أعدادها، ورغم أن الإقبال دون المستوى المطلوب لكنه في تصاعد، ويحتاج إلى توعية صحية وتثقيف عن أهمية مراجعة هذه المؤسسات”.
وشدد على أن “هذه المراكز تتعامل مع المدمن باعتباره مريضا يحتاج إلى رعاية صحية فقط، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى سواء كان متعاطيا أو مدمنا، حيث يتم تقديم الخدمة الصحية له حتى يتعافى ويغادر إلى حال سبيله”.
وأعلنت وزارة الداخلية العراقية عن ضبط 3.5 طن من المخدرات و15 طنا من المؤثرات العقلية، واعتقال 12 ألف متاجر ومتعاط، في مختلف أنحاء البلاد خلال عام 2023.
وأكد مدير العلاقات والإعلام بمديرية مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية بلال صبحي أن “قانون المخدرات أعطى فرصة للمتعاطين من خلال المادة 40 منه، والتي نصت على أن لا تقام أي دعوى جزائية على كل شخص تعاطى المواد المخدرة والمؤثرات العقلية وذهب من تلقاء نفسه للعلاج في المستشفيات المختصة”.
وأضاف صبحي في تصريحات صحفية أن الراغبين في العلاج من الإدمان تُسخّر لهم إمكانيات وزارتي الصحة والعمل والشؤون الاجتماعية لإعادة تأهيلهم، على خلاف الذين يُلقى القبض عليهم، فهؤلاء يحاكمون وفق المادة 32 من قانون المخدرات.
ويطالب مختصون في القطاع الصحي بإنشاء مركز لعلاج الإدمان في كل محافظة، مع تأمين الكوادر المتخصصة لمعالجة وتأهيل متعاطي المخدرات.
ويرى هؤلاء أن أعداد المراكز الحالية لا تكفي مع الحجم الكبير للمتعاطين الذي يرتفع بدرجة كبيرة في مختلف المحافظات العراقية، لاسيما بين طلاب المرحلة المتوسطة، وبنسب قد تصل إلى مستويات خطرة، كما هناك متعاطيات من النساء فضلا عن وجود متعاطين حتى في داخل السجون، لذلك تجب زيادة المراكز العلاجية أيضا.
وتوجد مراكز تأهيل عديدة منها مستشفى الحياة في البصرة بسعة 44 سريرا، وفي ديالى بسعة 20 سريرا، وفي ذي قار بسعة 24 سريرا، وفي بابل بسعة 20 سريرا، ومستشفى الحياة التي سيتم افتتاحها في الديوانية سيضم أيضا بعض الأقسام لمعالجة هكذا حالات.
ومن المستشفيات الأخرى التي فيها مراكز متخصصة لعلاج الإدمان، مستشفى الزهراء في واسط، ومستشفى الإمام الحسن في كربلاء، والسلام في نينوى، وآزادي في كركوك، وهناك مركز متخصص في المثنى، ومركز العطاء وابن رشد ومستشفى الشماعية في بغداد.
مستوى الوعي
يرى متابعون أن من المهم تعديل قانون المخدرات عام 2017، حيث إن حجز المتعاطين في السجون قد يؤدي إلى إدمانهم أكثر لاختلاطهم مع المدمنين وتعرضهم لأزمات نفسية تتسبب في هروبهم من الواقع إلى المخدرات.
وتهتم مراكز إعادة تأهيل المدمنين بتقديم الرعاية والعلاج للأفراد الذين يعانون من إدمان المواد الطبية أو المخدرات، حيث تركز على إعادة تأهيل الأفراد وتوفير الدعم النفسي والطبي للتغلب على الإدمان.
وتوضح المختصة النفسية إيناس سعدون في حديث لوكالة “شفق” المحلية أن “مراكز تأهيل المدمنين تعمل بغرض علاجي وليس لها طابع قانوني، وتسعى لمساعدة الأفراد في تحقيق الشفاء والتعافي، عبر تقديم برامج علاجية متخصصة ودعم نفسي لمساعدة الأفراد للتغلب على الإدمان، يشمل ذلك أنشطة تأهيلية وجلسات استشارية تتم فيها مراقبة التقدم الصحي للأفراد وتقييم فعالية البرامج العلاجية”.
لكن لا يزال مستوى إقبال المدمنين على مراكز التأهيل العلاجية ضعيفا، لأنه عادة ما يتأثر بعدة عوامل، منها مستوى الوعي بأهمية البحث عن علاج لمشاكل الإدمان وفهم فعالية مراكز التأهيل، وإمكانية الوصول إلى مراكز التأهيل وتوفر الخدمات في المناطق المختلفة.
وتدعو المختصة النفسية إلى ضرورة القضاء على التحفظ الاجتماعي والتمييز ضد الأفراد الذين يلجؤون إلى العلاج، مؤكدة أن “وجود دعم من الأسرة يلعب دورا هاما في تشجيع الأفراد على البحث عن العلاج، كما أن تحسين جودة الخدمات وتوفير برامج علاجية متكاملة يمكن أن يؤثرا إيجابا على الإقبال”.
ومن أهم أسباب انتشار المخدرات في العراق هو نوعيتها، إذ دخلت البلاد أنواع من المؤثرات والمنشطات على الجهاز العصبي المركزي التي تسبب الإدمان من الجرعة الأولى أو الثانية وأهمها الكبتاغون والكريستال.
وتكمن خطورتها من حب التجربة والرغبة في تناول هذه المواد وأحيانا بالاحتيال على بعض الأشخاص وإعطائهم جرعة مجانية تسبب الإدمان لهم، فضلا عن غياب الرقابة الأسرية وأصدقاء السوء الذين يمثلون 50 في المئة من انتشار هذه الآفة في البلاد.
وأشارت الخبيرة في علوم الأدلة الجنائية زينب البيروتي إلى أن “المتعاطي لا يحتاج إلى الرقود بالمستشفى كالمدمن، وكان علاج الإدمان في السابق بأسرة محدودة في مدينة الطب ومستشفيات الرشاد وابن رشد والعطاء، وهذه غير كافية مقارنة بعدد المدمنين الموجودين في العراق”.
وتتابع “لذلك تم افتتاح في جانب الرصافة مراكز قسرية لعلاج المدمنين في الرشاد والبلديات، وكذلك سيتم افتتاح مراكز في المحافظات كافة، منها مركز علاج المدمنين في محافظتي النجف وكربلاء”.
وتبدأ مرحلة العلاج من الإدمان بوجود شخص يساعد المتعاطي ويرافقه طيلة مرحلة علاجه، ويذكره دائما بأهميته لعائلته وأصدقائه، ويعامله على أنه مريض نفسيا وضحية، وليس مجرما تجب معاقبته.
وأوضحت الخبيرة أن كل مادة مخدرة لها طريقة علاج تختلف عن الأخرى، وتتراوح فترة سحب المواد المخدرة من الجسم من أسبوعين إلى 45 يوما، إلا أنها لا تخرج من عقل المتعافي، وهنا يكمن الخطر.
ويعني ذلك، أن المدمن عند تعرضه لمشكلة أو العودة إلى رفقاء السوء، فإنه سيعود إلى الإدمان بسهولة وأشدّ من المرة الأولى، لذلك أهم خطوة في العلاج هي إخراج المخدرات من عقل المدمن وليس من جسمه فقط.
وتبدأ مرحلة العلاج بسحب السموم “ديتوكس” من خلال شرب المياه والسوائل بكثرة، لأن الشخص المدمن تكون صحة كليته وكبده العضوين المسؤولين عن طرح السموم متعبين، ويكون ذلك بالتزامن مع تقليل المادة المخدرة للمدمن.
وبعدها تبدأ مرحلة العلاج المعرفي السلوكي، ثم العلاج السلوكي الجدلي، وذلك من خلال النقاش مع مدمنين آخرين، وهذا ما يجري في مراكز علاج الإدمان، ثم ينتقل المدمن إلى العلاج السلوكي الانفعالي العقلاني، المتمثل بردود فعل المدمن للعلاج، وتعقد مقابلات دورية بين المدمن والطبيب تسمى بـ”التحفيزية”، التي لها دور رئيسي في العلاج، وكذلك إعطائه مواد طبية قريبة من المادة المدمن عليها.
وهناك علاج النارنون، وهذا يتمثل بتحريك مشاعر الشخص تجاه عائلته ومحبيه، وهناك علاج التحفيز بالإبر الصينية لتحفيز الجهاز العصبي المركزي.
دمج في المجتمع
يعاني مدمن المخدرات من ضعف الجسم والمناعة والأعصاب، وبالتالي يكون معرضا للأمراض، لذلك ينبغي إعطاؤه فيتامينات ومقويات للأعصاب، بالاضافة إلى عشبة الدارسين التي تعد أفضل عشب مقو للأعصاب، ليعود الجهاز العصبي المركزي للمدمن إلى العمل مرة ثانية.
وتتضمن مراحل الفترات العلاجية فترة التغيير، وفترة الحرمان، والفترة الانسحابية من المواد المخدرة، وفترة الحماس التي تستغرق من شهر إلى 3 أشهر، وفترة الملل من 3 إلى 6 أشهر، وآخر فترة هي فترة بدء الحياة الجديدة، من 6 إلى 9 أشهر، أو إلى 12 شهرا.
ويقول رئيس المركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق فاضل الغراوي إن “من أهم الوسائل التي تساهم في حث المتعاطين على أخذ العلاج أو مراجعة مراكز معالجة الإدمان هي التطمينات والتثقيف من قبل مؤسسات الدولة واعتبار المتعاطي شخصا يستحق الرعاية والاهتمام”.
ويضيف الغراوي أن “العلاج يتمثل بتأهيل المتعاطي وعلاج الصدمات النفسية التي أثرت عليه في مرحلة التعاطي وإعادة دمج الشخص في المجتمع”.
ويؤكد على أهمية ضمان عدم توجيه تهمة التعاطي لمن يراجع مراكز العلاج، وتجنيبه المساءلة القانونية بهذا الخصوص وعدم شمول المتعاطي بوصمة العار واعتباره مريضا يمكن شفاؤه ما سيساهم في زيادة أعداد الراغبين بالعلاج.
وكان العراق يفرض عقوبة الإعدام على متعاطي المخدرات وتجارها، لكن سن قانونا في عام 2017 يمكن بمقتضاه علاج المتعاطين في مراكز التأهيل، أو الحكم بسجنهم فترة تصل إلى 3 سنوات.
وفي المادة 32 منه أنزلت العقوبة بالنسبة لتعاطي المخدرات إلى جعلها جنحة عقوبتها من الحبس سنة واحدة إلى سنتين، وغرامة مالية تصل إلى 10 ملايين دينار فقط. وتعتبر أهداف العقوبة الجنائية الردع وتحقيق العدالة الاجتماعية.
مشاهدة 280
|