ZNA- أربيل
تتصاعد الصراعات السياسية وتتعقّد تصفية الحسابات بشكل ملحوظ في العراق مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات المقرّرة لشهر ديسمبر القادم، حيث ازدادت أهمية السيطرة على الحكومات المحلّية بفعل زيادة حجم الأموال المخصّصة لتنمية المحافظات بفعل ارتفاع عوائد البلاد من مبيعات النفط.
وبينما دشّنت بعض القوى حملات انتخابية مقنّعة قبل انطلاق الحملات الرسمية في ظل اتّهامات باستخدام المناصب الرسمية ومقدّرات الدولة في الدعاية الانتخابية، لجأت قوى ذات نفوذ في الدولة إلى إقصاء مرشّحين منافسين لها باستخدام قانون المساءلة والعدالة المخصص لملاحقة فلول نظام حزب البعث، وهو قانون يطالب الكثير من العراقيين بإلغائه معتبرين أنّه بات مجرّد وسيلة لتصفية الحسابات وسببا في استدامة التوتّر بين مكوّنات المجتمع العراقي.
وتتمسّك قوى سياسية شيعية بالقانون المذكور حيث يتيح لها استبعاد مرشّحين بعينهم ويفتح لها الطريق لمدّ نفوذها خارج معاقلها الرئيسية في المحافظات ذات الغالبية الشيعية إلى المحافظات السنّية ذات المواقع الإستراتيجية والميزانيات التنموية المرتفعة.
وأعلنت المتحدثة باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات جمانة الغلاي، الأحد، أنه تم استبعاد 393 مرشحا من انتخابات مجالس المحافظات وأن 240 من هؤلاء استبعدوا نتيجة إجراءات هيئة المساءلة والعدالة، ما يعني أنهم متهمون بالانتماء إلى حزب البعث.
وأوضحت الغلاي في تصريح لموقع رووداو الإخباري أنّ 54 فقط من المستبعدين تمّ استبعادهم على خلفية سوابق جنائية و46 بسبب الفساد و12 لكونهم منتسبين إلى الأجهزة الأمنية وثمانية لوجود نقائص في ملفاتهم.
ونجا محافظ نينوى نجم الجبوري من الاستبعاد بعد أن أُعلن في وقت سابق أنّه مشمول بقانون المساءلة والعدالة.
وقال عماد جميل رئيس الفريق الإعلامي في مفوضية الانتخابات في العراق إنّ الجبوري سيكون واحدا من المرشحين في انتخابات مجلس محافظة نينوى بعد أن استثناه مجلس الوزراء العراقي من قرار الاستبعاد الذي اتخذته الهيئة العليا للمساءلة والعدالة، نافيا أن يكون ترشيح الجبوري بحاجة إلى موافقة مجلس النواب.
ويشرف الجبوري الضابط الكبير السابق في القوات العراقية على محافظة نينوى التي تعرف تركيزا استثنائيا من قبل الميليشيات التي شاركت في حرب استعادتها من تنظيم داعش، لكنّها فتحت لاحقا مكاتب اقتصادية سيطرت من خلالها على مشاريع إعادة الإعمار سواء عبر إدارتها بشكل مباشر أو بإسنادها لمستثمرين آخرين مقابل عمولات مالية.
وقال عضو تجمّع الميثاق الوطني العراقي عبدالقادر النايل إن الاستبعاد الذي جرى لقسم كبير من المرشحين لمجالس المحافظات هو تصفية سياسية مبكرة قبل الانتخابات وفي وقت حساس لاسيما بعد إغلاق مفوضية الانتخابات لباب الترشح.
وأضاف متحدّثا لوكالة سبوتنيك الروسية أنه “عندما تقبل المفوضية طلب الترشح فهذا يعني أن المرشحين خضعوا للتدقيق الأمني وإجراءات المساءلة والعدالة الخاصة باجتثاث حزب البعث والتي تستخدم فقط ضد فئة بعينها، وبالتالي فإن المرشحين استوفوا الشروط كاملة. وعندما يتم استبعادهم بعد إغلاق المفوضية باب الاستبدال، فإن هذا يعد إنهاء للكيان السياسي واستبعادا للمنافسين لصالح آخرين حتى يتم ضمان الفوز لهم وبقاء مرشحيهم وكتلهم السياسية بكامل طاقتها”.
واعتبر أن “عملية الاستبعاد تشير إلى أن الديمقراطية مفصلة على مقاس كتل سياسية أسست العملية السياسية الحالية، ولا تريد منافسا لا يخضع لها، وهو بالتأكيد ضرب علني لكل مفاهيم المشاركة السياسية”.
وتشكّلت هيئة المساءلة والعدالة بعد الغزو الأميركي للعراق سنة 2003 تحت مسمى هيئة اجتثاث حزب البعث وتعمل على إبعاد عناصر الحزب عن مراكز السلطة في العراق، لكنها أصبحت مع مرور السنوات أداة لتصفية الحسابات السياسية وتحييد الخصوم خلال المناسبات الانتخابية وغيرها.
وتتزعّم شخصيات سياسية وقوى سنيّة بالأساس محاولة إلغاء الهيئة وتمرير قانون للعفو العام يشمل عددا كبيرا من المساجين المدانين بتهم غير مؤسسة بحسب ذويهم، لكن تلك الشخصيات تتعرّض لحملات متلاحقة تتهمها بمحاولة إعادة التمكين لحزب البعث وبالتواطؤ مع الإرهاب والسعي لإطلاق سراح إرهابيين من السجون.
واتّجهت التهم مؤخّرا بشكل رئيسي صوب رئيس مجلس النواب محمّد الحلبوسي صاحب النفوذ الكبير في محافظة الأنبار غرب العراق، وهو متّهم أيضا من قبل منافسيه بتدشين حملة انتخابية سابقة لأوانها في المحافظات السنية وباستخدام مقدّرات الدولة في تلك الحملة.
وقال محمد الفهداوي القيادي في تحالف الأنبار المتحد إنّ الشكاوى التي رفعتها الأحزاب المنافسة لحزب رئيس البرلمان إلى الحكومة ومفوضية الانتخابات مازالت غير مفعّلة، داعيا إلى إنهاء جميع التجاوزات واستغلال موارد الدولة في الدعاية الانتخابية من قبل القيادات في حزب تقدم الذي يقوده الحلبوسي.
وأضاف الفهداوي متحدّثا لموقع المعلومة الإخباري أنه “كلما تقدمنا نحو موعد انطلاق الدعاية لانتخابات مجالس المحافظات تزداد عملية استغلال موارد الدولة في محافظة الأنبار من قبل قيادات حزب رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وخاصة مدراء الدوائر بالمحافظة دون خشية من الجهات الرقابية”.
كما أكّد أنّ “الأحزاب المنافسة لحزب رئيس البرلمان ومنها تحالف الأنبار المتحد جمعت الأدلة والوثائق التي تثبت تجاوزات الحزب الحاكم بالمحافظة وتم رفعها بصيغة شكاوى إلى الحكومة ومفوضية الانتخابات إلاّ أنه للأسف لم تفعّل من قبل تلك الجهات المسؤولة ما دفع حزب الحلبوسي إلى التمادي أكثر وارتكاب التجاوزات العديدة”.
وتجري الانتخابات المحلية في العراق في الثامن عشر من شهر ديسمبر المقبل وستكون الأولى من نوعها منذ أبريل 2013.
ولا تشمل المناسبة الانتخابية محافظات إقليم كوردستان العراق الثلاث، بينما ستجري لأول مرّة منذ سنة 2005 في محافظة كركوك النفطية المتنازع عليها بين الإقليم والدولة الاتّحادية.
ووفقا لبيانات مفوضية الانتخابات العراقية، فإن أكثر من 23 مليون مواطن يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في انتخابات مجالس المحافظات من بينهم أكثر من 10 ملايين شخص قاموا بتحديث سجلاتهم الانتخابية.
كما تظهر البيانات دخول 296 حزبا سياسيا في 50 تحالفا ستشارك في الانتخابات للتنافس على 275 مقعدا هي مجموع مقاعد مجالس المحافظات العراقية بشكل عام.
وتمتلك مجالس المحافظات سلطات هامة تفسّر حدّة التنافس على قيادتها، حيث تتولّى مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين الذين يمتلكون صلاحيات الإقالة والتعيين وإقرار خطة المشاريع بحسب الموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية في بغداد، وفقا للدستور العراقي.
قوى سياسية شيعية تتمسّك بالقانون حيث يتيح لها استبعاد مرشّحين بعينهم ويفتح لها الطريق لمدّ نفوذها خارج معاقلها الرئيسية في المحافظات
وفي ظل حالة الاستقرار التي يمر بها العراق منذ هزيمته تنظيمَ داعش قبل نحو ستّ سنوات، ومع الانتعاشة المالية التي يشهدها البلد بفعل ارتفاع أسعار النفط، تتجه حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني نحو تنشيط عملية التنمية في المحافظات بعد سنوات طويلة من الجمود.
لكنّ أموال التنمية في العراق تظلّ محطّ أطماع القوى السياسية بسبب استشراء الفساد وضعف آليات الرقابة.
وتجد القوى السياسية التي قادت العراق منذ أزيد من عقدين من الزمن في السيطرة على مجالس المحافظات فرصة مواتية للاستيلاء على أموال التنمية ومواصلة عملية النهب المنظمة للأموال.
العرب
مشاهدة 412
|