ZNA- أربيل
تحوّل موضوع النقص الحادّ في المياه إلى شاغل رئيسي للعراقيين الذين بدأوا يلمسون انعكاسات الأزمة بشكل مباشر على حياتهم اليومية.
وتكاد أصابع الاتّهام تتجه بشكل آلي صوب تركيا المجاورة محمّلة إياها مسؤولية الأزمة، وذلك استنادا إلى معطيات وأرقام تبيّن استيلاءها على معظم حصّة العراق من مياه دجلة والفرات بسبب نهم مشاريعها التنموية للماء الذي تناقص أصلا في المنطقة ككل بفعل التغيرات المناخية.
لكن ذلك لا يعفي القائمين على إدارة الدولة العراقية خلال العقدين الأخيرين من المسؤولية عن الأزمة التي لا تنفصل في بعض أوجهها عن سوء التخطيط وضعف الحوكمة والفساد الذي ابتلع موارد مالية ضخمة كان يمكن استثمارها في تطوير البنى التحتية، بحسب تقرير غربي نشر مؤخرا حول ما يعتبر كارثة مائية تداهم العراق.
وأشار التقرير الصادر عن المعهد الأسترالي للسياسة الإستراتيجية، تحت عنوان “على دول حوض دجلة والفرات التعاون لمواجهة أزمة المياه”، إلى ظاهرة خروج العراقيين إلى الشارع للاحتجاج على نقص المياه كمظهر من مظاهر حدّة الأزمة وما يمكن أن تجرّه مستقبلا من توتّرات في أكثر من بلد من بلدان الشرق الأوسط التي تعيش الأزمة ذاتها.
وكانت لافتة في الاحتجاجات التي شهدها العراق خلال الصائفة الماضية مطالبة المواطنين الذين أصبحوا يواجهون مصاعب في الوصول إلى مصادر مياه كافية ونظيفة بمحاسبة الحكومة التي يُنظر إليها على أنها أساءت التعامل مع أغلى مورد في البلاد.
وتعود ندرة المياه في العراق، وفق التقرير ذاته، إلى جغرافيته حيث يقع البلد عند تقاطع معقد للموارد المائية. ويشكل نهرا دجلة والفرات اللذان ينبعان من تركيا وتنبع بعض روافدهما من إيران شريان حياة حيويا للعراق. ومع ذلك، فإن الطلب المستمر على المياه عند المنبع دفع البلدين المجاورين للعراق إلى بناء السدود والتحويلات التي تقلل التدفقات في اتجاه مجرى النهرين ما يؤدي إلى تقليص إمدادات المياه صوب الأراضي العراقية.
ولفتت احتجاجات بغداد الانتباه إلى التوازن الدقيق المطلوب بين الدول التي تتقاسم المياه والحاجة الملحة إلى التعاون في إدارة المياه. وقد عقّدت التوترات التوصل إلى توافق في الآراء بشأن اتفاقيات التقاسم العادل للمياه، ولكنها جعلت أيضا الجهود الدبلوماسية لتعزيز التعاون أكثر إلحاحا.
وتعتبر المياه عنصرا محوريا في تنمية أي بلد، ولكن في ظل النمو السكاني الحاد الذي يشهده العراق وارتفاع الطلب على الغذاء، فإن المياه هي الأكثر تضررا. ويوفر نهر الفرات حوالي 85 في المئة من المياه المتجددة في سوريا، ويشكل دجلة والفرات مجتمعين ما يقرب من مئة في المئة من إمدادات العراق.
وينبع نهر دجلة من بحيرة الهزار في الأناضول ويتدفق خارج تركيا عبر سوريا والعراق قبل أن يلتقي بالفرات عند قناة شط العرب في جنوب العراق. وظل الصراع على المياه في حوض دجلة والفرات مستمرا منذ ستينات القرن العشرين، حيث تنافست تركيا وسوريا والعراق على بناء مشاريع كبيرة لإمدادات المياه.
وتتعقد القرارات الدبلوماسية بسبب التدفق غير المتوقع لنهر دجلة، ولكن سيطرة تركيا على قرابة التسعين في المئة من الإمكانيات المائية لحوض الفرات تشكل الضغط الرئيسي على العلاقات المائية. كما أن ملوحة نهر الفرات تتزايد بشكل يتجاوز المستويات المستدامة على الحدود السورية – العراقية، وهو ما يعيق الري. ومع ذلك، شرعت البلدان الثلاثة في تنفيذ خطط تنمية واسعة النطاق لاستغلال المزيد من المياه على أمل تحقيق الأمن الغذائي لسكانها الذين يتزايد عددهم بسرعة.
وتم استخدام المياه بشكل متكرر كسلاح. ففي مايو 2015 على سبيل المثال، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على سد الرمادي في العراق وقلص تدفق مياه نهر الفرات، وحوّل المياه إلى بحيرة الحبانية. وقد أدى ذلك إلى استنزاف إمدادات المياه في عدة محافظات، مما ألحق الضرر بالمجتمعات المحلّية. كما قامت أطراف أخرى في الصراع في سوريا باستخدام الوصول إلى المياه كسلاح لمعاقبة السكان أو التأثير عليهم، مما أدى إلى تفاقم أزمة المياه الأليمة بالفعل.
كما ألحقت الحرب أضرارا جسيمة بالبنية التحتية للمياه. وتعرضت المحطات والأنابيب لضربات مباشرة بسبب القتال، وتضررت البنية التحتية للطاقة. وأدى ذلك إلى احتداد الأزمة الإنسانية وترك العديد من السوريين دون إمكانية الحصول على المياه النظيفة للشرب والصرف الصحي وري المزروعات.
وقد تضافرت التوترات طويلة الأمد والتحديات البيئية وتأثير الحرب لدفع أزمة المياه إلى مستوى حرج. ولن تتطلب معالجة المشكلة ممارسات مستدامة لإدارة المياه في كل دولة على الأنهار فحسب؛ بل سوف يتطلب الأمر أيضا حلا أفضل للصراعات والبنية التحتية والمساعدات الإنسانية في جميع أنحاء المنطقة لحماية الوصول إلى المياه النظيفة.
وفي الوقت نفسه يلوح تغير المناخ بشكل ينذر بالسوء في الشرق الأوسط. وقد أدى ارتفاع درجات الحرارة وأنماط هطول الأمطار غير المنتظمة إلى تعطيل الدورة الطبيعية للمياه وانخفاض تدفقات الأنهار وزيادة معدلات التبخر.
وتشكل ندرة المياه تحديا شائعا في الشرق الأوسط، حيث تعاني دول المصب أكثر من غيرها، وكثيرا ما تثير المياه الصراعات حيث تتنافس الدول للسيطرة عليها في حين أن الصراع نادر في المناطق التي تتمتع بوفرة المياه. ومع استمرار تغير المناخ سوف يتدهور الوضع المائي في العراق ويضغط على قدرة البلاد بشكل أكبر.
وبالإضافة إلى العوامل الخارجية أثرت تحديات الحوكمة على قدرة العراق على إدارة موارد المياه بشكل فعال. وأعاقت عقود من الصراع صيانة وتطوير البنية التحتية الأساسية. كما أسهم سوء الإدارة والفساد والافتقار إلى سياسات متماسكة في احتداد أزمة المياه، مما أدى إلى تفاقم الاستياء بين مواطني العراق وسلّط الضوء على الحاجة إلى حكم رشيد وخاضع للمساءلة.
مشاهدة 337
|