ZNA- أربيل
سجّل رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر استدارة في خطابه باتّجاه مواضيع دينية وأخلاقية بعيدا عن القضايا والملفات السياسية التي مثّلت على مدى سنوات ماضية مشغله الرئيسي. وربطت أوساط سياسية وإعلامية عراقية هذا التوجّه الجديد لزعيم التيار الصدري بانخفاض سقف طموحاته السياسية، وربّما انعدامها، بفعل سلسلة النكسات والهزائم التي مني بها على يد كبار منافسيه من داخل العائلة السياسية الشيعية التي ينتمي إليها.
وركّز الصدر في تعاليقه الأخيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى احتفائه ببعض المناسبات الدينية مثل عاشوراء والمولد النبوي، على انتقاد بعض الظواهر والممارسات المجتمعية التي يراها مخالفة للشرع ومخلة بالآداب، ولم يستثن التعليق على بعض الكوارث الطبيعية التي طالت المنطقة مثل فياضات ليبيا، لكن من وجهة نظر دينية على اعتبار تلك الكوارث في نظره عقابا إلهيا للشعوب بسبب ابتعادها عن الدين، بحسب زعمه.
وتوقّع هؤلاء أن يركّز الرجل الذي أظهر هوسا واضحا بالزعامة، مستقبلا، على إعادة التموضع ضمن كبار المراجع الدينية في البلاد، خصوصا وأنّه يرى في مكانة الأسرة التي ينتمي إليها بين شيعة البلاد ما يؤهله للقيام بدور ديني كبير رغم قول خصوم له إنه لا يمتلك من المؤهلات "العلمية" ما كان لوالده محمد صادق الصدر.
ويمر زعيم التيار الصدري في الوقت الحالي بمرحلة انكفاء مركّزا جهوده على تسويق نفسه كوصي على الدين والأخلاق. وحاول الاستثمار في الضجّة التي ثارت مؤخّرا حول الحفل الذي انتظم في العاصمة بغداد في إطار مهرجان العراق الدولي بسبب ملابس المشاركات فيه وأيضا بسبب بعض المدعوين إليه. وحذّر، الجمعة، في منشور على منصّة إكس الدول الإسلامية من الانفتاح المتزايد ومن التحرر “الممقوت”، معتبرا أنّ الحفل المذكور انتهك الأعراف المجتمعية العربية والإسلامية.
وقال الصدر في منشوره "لا يسعني إلا أن أقف مستغربا أمام ما صرّح به رئيس وزراء بريطانيا في ما يخصّ المتحولين والمجتمع الميمي أو الشذوذ الجنسي. إذ أعلن معارضته لذلك التحوّل وكذلك للمجتمع الميمي وأعلن معارضته لدعمه ونشره من خلال المدارس وغيرها".
وأضاف "بعد إذ كانت بريطانيا من أكبر الدول الداعمة للمجتمع الميمي والتحوّل الجنسي رسميا، وحسب فهمي فإن الدوافع الحقيقية خلف هذا التصريح وإن كان من المحتمل أن تكون سياسية إلا أن لها جذورا، أهمها عدم تجاوب الغالبية مع أفكار المجتمع الميمي المثلي الذي بدأت تتضح معالمه السيئة عند الشعوب، وخصوصا مع حملات الإجبار على الإنخراط بهذا المجتمع الشاذ والتثقيف للتحوّل الجنسي من خلال الحملات الإعلامية والقانونية والتربوية وما شاكل ذلك”.
وتابع زعيم التيار الصدري "نعم إن الغرب الذي يدّعي الديمقراطية عوّدنا على الوقوف ضد المظلومين في العالم كدعمه للكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين الذين تجرّف منازلهم ويهجّرون من مدنهم أو دعم الاحتلال الفرنسي وغيره في الدول الأفريقية المظلومة وغيرها. والغرب ذاته يقف داعما للمجتمع الميمي الذي بدّل نعمة الله كفرا واتخذ من المثيل زوجا ويحارب من يتطهّر، كما قال تعالى في كتابه العظيم".
وسلك مقتدى الصدر منذ بروزه بعد الغزو الأميركي للعراق سنة 2003 مسارا سياسيا متعرّجا وكثير الهزات، حيث قدّم نفسه أول الأمر مقاوما للاحتلال الأميركي عن طريق ميليشيا أسسها تحت مسمّى جيش المهدي الذي لم يلبث أن دخل في صراع ضد القوات العراقية بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي تلقى خلاله ضربة موجعة، اضطر على إثرها إلى تغيير اسم الميليشيا إلى سرايا السلام.
وأعلن على مدى السنوات الماضية بشكل متكرّر انسحابه من الحياة السياسية وتجميد نشاط الميليشيا التابعة له دون أن يقدم على ذلك حقيقة. ورغم حرصه على تقديم نفسه منحازا لمطالب الشعب ومقاوما شرسا للفساد، إلاّ أنّه لم يستطع فصل نفسه بالكامل عن المنظومة الفاسدة التي تدير البلاد وتتحكّم بقدراتها، ذلك أنّ التيار الذي يقوده مسيطر على عدد من القطاعات الحيوية مثل قطاع الصحّة الذي يعرف تراجعا غير مسبوق بسبب تغلغل الفساد في ثناياه.
وإبرازا لثقافته الدينية، استدعى الصدر في منشوره قصة النبي لوط معتبرا أن ما حدث له مع قومه يشبه ما يفعله الغرب ضد بعض الدول الأفريقية “من تفعيل للإرهاب بعد أن أعلنت تلك الدول رفضها للمجتمع الميمي ومنعه في أراضيها". كما عبّر عن أمله في أن تحذو "باقي الدول حذو ما أعلنه رئيس وزراء بريطانيا من رفض التمدد وفرض المجتمع الميمي في تلك الدول بل في العالم أجمع".
وحذّر “الدول الإسلامية من الانفتاح المتزايد ومن التحرر الممقوت الذي لا يفضي إلا إلى التطبيع وانتشار المثلية كما حدث في الحفل الخارق للأعراف المجتمعية العربية والإسلامية وفي عراقنا الحبيب وفي ظلّ دولة بني العباس، فقد كان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وبإشراف مباشر من السفيهة الأميركية التي أعلنت دولتها أنها أمة المثليين".
كما عبّر الصدر عن يقينه من أنّ “الشعب العراقي أمة الطهارة ويريد أن يتطهر ويرفض الفساد والشذوذ”، وأنّه "سيعلن رفضه الموحد للتحرر المفرط وضد التمهيد للتطبيع والمجتمع الميمي". وجاءت نكسات الصدر في أعقاب سنوات رفع خلالها من سقف طموحاته السياسية وصولا إلى طموحه بقيادة البلد، بعد أنّ قدم نفسه زعيما إصلاحيا وقائدا لحركة الشارع الذي شهد سنة 2019 انتفاضة غير مسبوقة تبناها مقتدى وعمل بالتوازي مع ذلك على السيطرة عليها وتوجيهها بعيدا عن هدف إسقاط النظام الذي كان يريد أن يصبح هو الرجل الأول فيه.
وعلى هذا الأساس، خاض الصدر عن طريق تكتّل تابع له انتخابات سنة 2021 آملا في السيطرة على البرلمان العراقي من خلالها والتمكّن من اختيار رئيس وزراء وطاقم حكومي خاضعين لوصايته، لكنّه اصطدم رغم تحقيقه نتائج إيجابية بكبار قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية المتجمعين ضمن ما يعرف بالإطار التنسيقي والذين نجحوا في استبعاده من عملية تشكيل الحكومة وأجبروه على الانكفاء.
وكانت آخر محاولات الصدر العودة إلى المشهد السياسي عبر إعادة تسخين الشارع من خلال دعوة وجهها عن طريق نشطاء "مستقلّين" لتنظيم مظاهرات مليونية في ذكرى اندلاع انتفاضة أكتوبر 2019، لكن الاستجابة للدعوة كانت محدودة ما شكل له خيبة أمل جديدة.
مشاهدة 406
|