يعاني الفرد في المجتمعات الشرقية حالة من الضياع الذهني وأزمة فكر قهري صعب المراس، يمنحه شخصية عدوانية نرجسية، يقاسي الازدواجية في السلوك والاضطراب الذهاني، يتأثر بمعايير وثقافة المجتمع ومحيطه الخاص، إذ إن تغيُّر الفرد لسلوكياته يعتمد على مدى قسوة أو مرونة الواقع الذي يعيشه والبيئة التي تحتضنه، يمتاز هذا الفرد بفكر مشتت ما بين حلاوة اللذة وقُبح الفعل، أيهما يمنحه المزايا والخصائص يميزه عن أقرانه، ويلبي رغباته، يُضطرّه لتحقيق أهدافه، اعتناقه للبدع واختراع الخرافة، وتقمصه العديد من الشخصيات الوهمية المصطنعة المخادعة، والمخاطرة، وتقبُّل عار الفضيحة وقوعًا في الإثم، مهملًا الجانب الأخلاقي والقيم الإنسانية العليا، لهذا يلجأ الفرد(النفس البشرية) في المجتمعات السطحية إلى المظاهر والفعل المذموم، والتنكر لطبيعته الإنسانية، لمحدودية إدراكه وضعف شخصيته، يوهمه بالحرية والخلاص من ألم معاناة وجوده كإنسان، وإثبات ذاته الأنانية النكرة، متجاهلًا الدوافع التي تحرّك الإنسان من الثقافة المعرفية والانضباط الأخلاقي، وجهله لهذه الحقيقة من عدم الإدراك والفهم مجلبة للشفقة، يقوده للضياع والإخفاق الفكري والفشل في التأقلم ككائن روحي إنساني نتيجة فقدانه للأمان النفسي. إنه العيب الأزلي في النفس الشريرة العاكفة في الكيان الروحي، وحتمية الصراع الداخلي الدائر حول لذة النعيم ولهفة الجحيم، بين الوعي المعرفي المثقل بالثقافة الأخلاقية المؤنسنة (النفس البشرية الإنسانية) وبين الفكر الضال والعقل المشوش الخبيث للفرد (النفس البشرية البهيمية)، إنه لغز الطبيعة المتمثل بنشأة تنازع النفس( الأنا والهو ) صراع الخير والشر المبهم المتعب، وألم الشك والمعاناة، نتيجته إما المتعة الدائمة أو خزي الدنيا والآخرة- من أطاع هواهُ باع آخرتهُ بدُنياهُ – الإمام علي. هذا التفاعل والتخاطر في النفس المتناقضة، دافعه جدلية الكبت والذنب، الالتزاز والاجتناب، كلما ذاق الجسد لذة من ملذات الحياة الزائفة الزائلة، قلّ الشر المهيمن في النفس الأمارة، التي تعميها حجاب الهو، وتستهويهم ترهات الفكر وأنانية الذات، لينغمس في الوهم الذي يفقده الشعور بالسعادة الكاملة، والاستمتاع باللحظة الآنية العابرة، خرقًا لقانون الطبيعة، غافلة عما تنطوي عليه من مخاطر فوضى التفكير ونتائجه الوخيمة، وآفات تنخر قيم المجتمع، وتهدم الأخلاق الإنسانية الجليل. إن طغيان الهو على النفس، وإخفاقها لترويض الرغبات، وتفضيل الغرائز (رغبات مكبوتة غير الواعية) على الشهوات (رغبات مباحة واعية) بحثًا عن السعادة المؤقتة، لإشباع الشعور وخداعه، بلا رادع من الأنا الضمير ولجمه، يقوّض التعاطف الإنساني واللطف الاجتماعي، ويحوّل الفكر النبيل المنطقي الى خُبث مادي مجرّد، مثير للشفقة، ينعدم فيه السلام الداخلي للفرد، يولد الحقد والحسد ورذيلة الانتقام، والإثم المحبّذ بالملذات. يحتدّ الصراع اللجام في النفس، حسب طبيعة التباين العقلي، ويتعقد بالجدال والمراء، تناسبًا مع نوعية الأفكار الرديئة المضللة الشريرة، وبذلها الجهد باطلاً بالوَسْوَسْة للخروج علناً، لإشباع الكبت اللاوعي المدفون في أعماق النفس الحانقة، تحلل هذه الأفكار، البيانات والمعطيات، لفهم الحدث معتمدًا على آلام الرغبة الملحّة، والحاجة الآنية المخالفة، دون الاعتراف بحُرمة النفس الإنسانية التي تعلو مقامًا على الرغبات والشهوات، بذلك تستنزف الطاقة الإيجابية للنفس الراضية المطمئنة، من المعرفة مصدر الخير، وإحاطتها بهالة من القلق المستقبلي من الجهل مصدر الشر، الذي يُهلك العقل، ويشوّش الفكر السليم، لمنحه مساحة من التزهُّد في نكران الذات وعدم قبول الآخر، يغدو ثرثارًا مِهذاراً، طعّان جشع في الغيبية والنميمة وشماتة المصيبة، ليُهزمهُ غرائزه ويقع ضحية أفكاره الغريبة المتسوّلة، نتيجة عدم استيعابه لعلم المعرفة المنهجية لقانون الطبيعة، وتضاؤل مدركاته الحسية، يعرّضهُ لتكرار الخيبات والعُقد، وتوجيه سلوكه نحو الهمجية، للحد من عمل الضمير المتمثل بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة، وتحجيم دوره الوسيط، الذي يُمحي الخلل، ويصلحه، ويستقيم عنده الميزان بالقسط بين الوعي واللاوعي، وبين السلوك السّوي والسقيم.
طغيان الذات
من الصعوبة أن يوجد سلام داخلي في مكنونات النفس البشرية التي تعاني من هيمنة وطغيان الذات، والذي تحكمه مجموعة أفكار متناقضة، ساخطة بعضها على الآخر، والعاقبة ضرر النفس من تداخُل وتدافُع الفكر الجيد المرضي مع المخالف السيء، ولابدّ من التضحية بالتجرُّد من هذه الذات الأنانية النكرة، وامتلاك قوة الإرادة وحرية الاختيار، لتجاوز الفكر السلبي ونرجسية الهو، من أجل تذوق لذة الوجود الإنساني والعيش طبيعيًا في المجتمع، ولتحقيق ذلك عليه تحمل درجات الشقاء النفسي والتغلب على غرائزه بالتجاوز والعطاء والتفاهم. كل إنسان معرّض للضرر من الطبيعة أو محيطه الاجتماعي، وللبحث عن الحلول المناسبة لنجاته، يلجأ لأفكاره الذي هو انعكاس لوعيه المعرفي وقناعاته المستقبلية، يمنحه إما الخلاص والطمأنينة، أو الهلاك وهلع المصيبة، ولابدّ للإنسان من التّصالُح مع نفسه، وقبول واقعه، وتكريم ذاته في الوجود، للتخلص من معاناته، والألم الذي يسببه وعيه الخاص، وعليه تدريب العقل على رؤية الخير، لإنتاج الفكر الإيجابي، يمكّنه التحكم في اختياراته، والصبر عليه والرضا عنه، للوصول الى الغاية والهدف من الحياة الذي هو السعادة في الوجود إنساناً.
الزمان البغدادية
مشاهدة 595
|