من يحير بالواقع الخطر الذي يكاد يقف على حافة الانهيار، الواقع المعيشي الذي إن تهيأ - اقول: إن تهيأ- ان ترثه ادارة مستعدة لزحزته عن السقوط، فليعلم ان الواقع المعني هو محصلة الصراع الذي اتخذ المجتمع رصيدا يسحب منه على المكشوف لكن ليس مثل السحب المصرفي في تسهيلات قصيرة الاجل.
في الطبيعة البشرية و في الصراع الانساني المستمر، لابد من وجود فرد او جماعة تدخل الصراع مختارة او مضطرة، عالمة او جاهلة،، لكن الوعي ان غاب غاب معه الفصل و غابت حدود ما ستكون عليه النتائج من الصراع، ذلك ان اغلب الصراعات في منطقتنا مثلما كانت في العالم الغربي قبل التحضر، كانت صراعات دموية صفرية، لا مرونة فيها و لا موانع.
الفقر من ثمار الصراع، وهو ثمر مر، ينطلق بعشوائية، و الفقر لا يتولد الا اذا تولد الثراء، و معروف من المثري و من المفتقر في حرب تُحشر لها كل المؤثرات في المجتمع: الدعاية و المال و التاريخ و الانسان و العقائد والاستعداد للمغامرة و احيانا المقامرة، و سن القوانين و ضربها في سبيل هدف ما.
مفصل واحد هو الفيصل في الحكم على شرف الصراع و احقيته: الفقر.
العامل الاقتصادي و المعيشي مسؤوليته الاكبر تقع على الدولة، تحديدا الحكومة، الحكومة بنسخها فليس من العقل في شيء توقع معجزة من حكومة ورثت سيئات من كان قبلها، لكنها ان عملت بما يزيد الفقر فعليها وزر عملها.
ليس المجتمع بريئا من مسؤولية الفقر، لكن تحديد المذنبين فيه ليس سهلا بقدر تحديد ذنب السلطة فهي مكلفة بتسيير الشأن و المال العامين، فخضوع الافراد للسياسة الخاطئة للادارة يخلق وهما عند الاخيرة انها على صواب.
نحن( الكورد) لم يقبل اكثرنا اي السياسيين و عدد ليس هين من المستقلين، الخضوع لسياسات خاطئة، ولن نقبل، ذلك اننا ادركنا مبكرا جدا ان الحرية بوجوهها العديدة ستكون منكفئة ان ضرب الإفقار ظهر مجتمعنا، وهنا يظهر جرم السلطة و تظهر عقليتها التي تقود بها المجتمع، وايضا يظهر الاشتراك المجتمعي غير المحدد بعدد في ذلك الفعل الذي كانت محصلته الخسارات.
العراق دولة زراعية، اغلب موارد مياهها اقليمية، دولة متعددة الاعراق و المذاهب، حديثة نسبيا في التشكل السياسي، شأنها شأن مثيلاتها في المنطقة ممن انقلب فيها الجيش على الملكية، لكنه انحدر بعد ذلك لفكرة و مشروع نفذه من اعتقد بأهمية الامن( اجهزة البطش) قبل اي ملف آخر، ثم صار التوجه و سار نحو الاستيعاب التوظيفي لدى السلطة لخلق حق لها على رعاياها بالطاعة، اما المجتمع -و امام ثقافة متوارثة - رأى انه لا ضير من الكسب مرسخا فكرة المِلك عند السلطة و انه ( المجتمع) مملوك لها( السلطة).
ليس الفقر الذي اعنيه هو فقط الصورة النمطية عن الهزال و رث الثياب، فمثل هذه الصورة يزدحم بها المجتمع العراقي، بل الفقر يتعدى تلك الصورة ليكون ابشع و اعصى على الحل في تتبع خطوط حياة الافراد من المولد للمهلك، ومنها نمو استمراء مد اليد على المال العام و الهرب او الاستقواء خلف سياج مسلح من الخارجين على القانون او مسكتي القانون، الفقر في مناهج التعليم و في خدمات الصحة و العلاج، و في النظر للناس على ان بعضهم القليل دمهم مبجل فيما دماء الاخرين رخيصة هو نوع من الفقر و الافقار الذي لا تحمل وزره سلطة ما لوحدها بل للمجتمع حصة بحجم حصة سكوته.
خلق الاكتفاء في العيش ليس صعبا، بل هو اسرع و اقل صعوبة من ان تسلم سلطة ما قيادها و قياد رعاياها لافراد يشكلون مراكز قوى مضرة على المجتمع اولا بأعتباره هو الابقى و على السلطة بأعتبارها مستأمنة على المصالح.
كل الدعاية ستكون فارغة اذا ما انساب الفقر و الافقار للمجتمع وهو يدعي عجزه و بيدي السلطة و هي تدري انها تعمل صالحا.
اقرأوا عن الدول التي فهمت دورها فحالت دون ان يكون الفقر من انتاجها عبر استثمار المقدرات حتى لا ينطلق الفقر برؤوسه المتعددة من الجريمة و الجهل و الخوف و تبدل الاولويات، فيسرق الدواء، و تمتهن الكرامة، وتتحول اموال الدولة لحسابات شخصية، ثم يقام للكلام سوق لتبادل الملامة.
وسوق الكلام زبائنه المجتمع و اصحابه هم المثرون من السلطة.
مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني
صحيفه الزمان
مشاهدة 484
|