أنا ممن يتفقون مع توصيف الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لما قيل انه حرية رأي في صحافة عربية بعينها لا حاجة بي للتصريح بهويتها، اذ ان ناصر رأى ان الصراع الطائفي في تلك الدولة وفر أموالا وعقولا عملت على ترسيخ الصراع و تجسيده و إدامته، أي انها كانت ليس اكثر من أذرع متلاوية على شكل آراء، ومن الطبيعي ان تمتد تلك الآراء تحت حماية مموليها لتنقد او تجرح او تؤيد بحسب اجندات القوى التي تتصارع في ارضها.
هذا الانموذج جرى استنساخه في العراق، مع فارق من حيث جودة الحرفة الأقل صحفيا و سياسيا.
السكوت الملابس في القانون العراقي هو القبول دون تصريح بأعتبار ان تعاملا سابقا قد تم، وان ( المشتري) الذي يستقوي بالطرف سكت عن الطرف ( البائع) الذي هو طرف إقليمي يبحث عن مصالحه بالحقيقة، لكن ( المنفعة) التي هي ثالث شروط قيام السكوت الملابس والتي تعني منفعة الطرف الساكت منفعة لا يقرها القانون، لانها منفعة ضرر ثمنها دماء و آمان عراقيين.
أزيد على رأي عبدالناصر ان الأطراف التي تحمل هويات متعددة و تتصارع في العراق إنما تغلف صراعها على سلطة القرار على المال بمغلفات عدة ابرزها المغلف الطائفي، وهي في النهاية لن تنضج لتقدم حلولا يمكن ان تحقق المنفعة للعراقيين و سيتطور صراعها اكثر فهذا المنطق لا يفرز تحالفا مستداما بل تحالفات وقتية، و الأخطر من هذا ان إدارة بلاد بخطط مالية متخبطة و اجتهادات مع وجود النص لن تكون نتائجه الا كارثية، بأعتبار ان أولى الكوارث التي عصفت جراء استشراء الفساد بغياب الرقابة ضرب البنية الاجتماعية التي زادت الفقر و جعلت الجريمة اوسع و ابشع و اشد وتيرة ارتفاع.
ليس صعبا ان تعرف اصحاب السكوت الملابس محليا بمجرد وقوع اعتداء على السيادة المتخيلة للدولة، كل ما على الفرد البسيط ان يعرفه هو هوية الدولة التي تقصف منطقة في العراق ثم يتابع المستنكرين- لا يوجد مبدأ عين بعين و سن بسن- فالقوى الداخلية تعرف حجمها وعلى من ترفع سلاحها- فالمستنكر هو خصم بالنيابة، والساكت هو صاحب المنفعة.
هذا ما وصل اليه النظام للأسف، وصل إلى مرحلة القبول بقتل مدنيين عراقيين أيا كانت قوميتهم ارضاءَ لطرف إقليمي، علما ان الأطراف الإقليمية كلها قبلُ و الان و مستقبلا لا تنظر إلى هؤلاء على انهم حلفاء بل اتباع، أي انهم قانونا ليسوا بأهلية إبرام عقد!
مشاهدة 1180
|