ZNA- أربيل
تحت عنوان "لماذا قد تصبح إيران الخاسر الحقيقي في الصراع الداخلي بين الشيعة في العراق؟"، استعرض تحليل على موقع "فورين أفيرز" ملامح الصراع بين الكتل السياسية الشيعية وخطط الزعيم البارز، مقتدى الصدر، لتصدر المشهد السياسي مستغلا الجمود الحالي.
وتلفت المجلة إلى أن الصراع الذي بلغه العراق "ليس بين الطوائف أو الجماعات العرقية المتنافسة ولكن داخل أكبر مجتمع في العراق، وهم الشيعة المنقسمون بشأن علاقة بلادهم بإيران".
وتشير المجلة إلى إعلان الصدر في 29 أغسطس اعتزاله السياسية بعد أشهر من "المحاولات الفاشلة لتشكيل حكومة جديدة" ثم خروج الآلاف من أنصاره إلى الشوارع غاضبين واشتباكهم مع قوات الأمن واختراق المنطقة الخضراء.
وأسفرت المواجهات بينهم وبين القوى الأمنية وأفراد "الحشد الشعبي" عن مقتل 30 خلال 24 ساعة، قبل أن يظهر الصدر ويأمر أنصاره بالعودة إلى بيوتهم "مخففا في الوقت الحالي على الأقل الأزمة السياسية التي شلت حكومة تصريف الأعمال في العراق لعدة أشهر".
وتشير إلى أنه رغم إعلانه الانسحاب من السياسة، "من المرجح أنه سيعمل على الاستفادة من هذه الموجة الأخيرة من العنف للسيطرة على منافسيه".
وقد أصدر تصريحات مماثلة في الماضي لكنه لم ينسحب قط من المجال السياسي.
ويسعى الآن إلى ترسيخ نفسه "كوسيط سلطة شيعي بلا منازع في العراق والهيمنة على نظام تقاسم السلطة الطائفي".
ورغم أن الصدر حاول تصوير تحركاته على أنها "حملة ضد الطبقة السياسية الفاسدة الموالية لإيران والقوى الأجنبية الأخرى، فإن مناورته تشكل خطرا آخر على الدولة العراقية الهشة، إذ أن بغداد قد تسيطر عليها ليس الفصائل السياسية المدعومة من إيران، ولكن رجل دين شيعي كان يقود إحدى الميليشيات العراقية الأكثر خطورة"، بحسب الصحيفة.
وقد يبدو ذلك أمرا مستبعدا في الوقت الحالي بعد الاحتجاجات الفاشلة الأخيرة، "ولكن بصفته وريثا لإحدى العائلات الدينية الشيعية الأكثر شهرة، فقد أثبت الصدر مهارته بشكل ملحوظ في تحويل نسبه الديني إلى قوة صلبة، ويجب أن يفكر خصومه مرتين قبل التقليل من شأنه".
المحلل العراقي، رعد هاشم، قال لموقع الحرة إن الصدر "يقود أقوى كتلة جماهيرية"، وهي أقوى تنافسيا من الكتل السياسية الأخرى التي خسرت قاعدتها الجماهيرية، خاصة الكتل الولائية التابعة لإيران".
بينما، قال عمار الشبلي، النائب السابق عن "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، أحد ألد خصوم الصدر، إنه يمتلك زعامة سياسية بغطاء ديني، باعتباره والده محمد باقر الصدر، ويقود كتلة شعوبية قوية".
ورغم أن تياره خرج من البرلمان، "فإنه يمثل نحو 60 في المئة من أعضاء الحكومة، ومع وجود قواعد شعبية قوية، لايزال عنصرا فاعلا"، وفق الشبلي.
ويقول النائب العراقي السابق، في تصريحاته للحرة، إنه "لا يحق لزعيم سياسي أن يعلن اعتزاله ثم يعود للعمل، لكن الصدر فعل ذلك".
ويشير إلى الدعوة التي وجهها الصدر، الخميس، ولم تلق تجاوبا من "الإطار التنسيقي"، بشأن الإبقاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال، مصطفى الكاظمي، للإشراف على إجراء انتخابات مبكرة.
وفضلا عن أن هذا التصريح "سياسي" ويخالف تعهده السابق، فإنه "لا يجب أن تشرف الحكومة الحالية على تأمين الانتخابات بعد الخروقات الأمنية الأخيرة".
ملء الفراغ وخسارة إيران
ويشير تقرير فورين أفيرز إلى أن "آية الله علي السيستاني، رجل الدين الأكثر تقديرا في البلاد، وعلماء الدين الشيعة الآخرين يتجنبون المشاركة السياسية المباشرة، وبذلك، أوجدوا فراغا في السلطة داخل المجتمع الشيعي، وهو فراغ عمل الصدر على مدى عقدين من الزمن لملئه".
ومنذ دخول القوات الأميركية العراق عام 2003، كان الصدر الزعيم العراقي "الأكثر مهارة في التنقل بين السياسة والسلطة الدينية، وهي حقيقة يمكن أن تفسر مناورته الأخيرة".
ويشير التقرير إلى أن الأزمة السياسية في العراق استمرت قرابة 11 شهرا ومع ذلك، لم يشرع الصدر في احتجاجات دموية في الشوارع حتى واجه تهديدا يتجاوز السياسة: هو تهديد شرعيته الدينية، فقبل يوم واحد من إعلانه اعتزال السياسة، أعلن رجل الدين العراقي المقيم في إيران، كاظم الحائري، الذي كان بمثابة مرشد روحي لكثير من أعضاء التيار الصدري، عن تنحيه بسبب تدهور صحته.
ولكن بدلا من دعوة أتباعه إلى نقل ولائهم لرجل دين شيعي عراقي آخر قد يكون متعاطفا مع الصدر، نصحهم الحائري باتباع المرشد الأعلى لإيران، علي خامنئي.
وانتقدت تصريحات الحائري الصدر ضمنيا، وقال من دون أن يسميه إن الصدر خاطر بتمزيق العراق والأغلبية الشيعية فيه.
وفي خطابه الذي دعا فيه إلى إنهاء التظاهرات الأخيرة، زعم الصدر أن المسؤولين الإيرانيين وخصومه الشيعة المدعومين من إيران كانوا وراء انتقادات الحائري.
وتقول المجلة إن "هذا الطعن بالظهر يعكس الفراغ المتنامي في السلطة داخل المجتمع الشيعي في العراق، وهو فراغ زاد مع تضاؤل النفوذ الإيراني في البلاد".
ولسنوات، أرسل المرشد الأعلى الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، قائد العمليات الخارجية في الحرس الثوري، إلى العراق لـ"توحيد الصف الشيعي".
لكن بعد مقتله، فقدت إيران "سلطة مهمة على حلفائها العراقيين"، ولم يحقق خليفته نجاحا مماثلا في منع الفصائل الشيعية في العراق، وخاصة الصدريين، من تحدي طهران.
ويشعر قادة إيران بـ"السخط" بسبب عدم رغبة الصدر في العمل مع حلفائهم العراقيين، وقد يكونون قد حاولوا زيادة الضغط على الصدر بحث الحائري على التشكيك في شرعيته الدينية.
ويقول المحلل رعد هاشم إن إيران "تشعر بخسارة التيار الصدري، بعد أن كانت تحسبه من الموالين لها، لكنه خرج عن طاعتها واختار طريقا سياسيا بعيدا عن حساباتها، بل ويعمل على هيكلة الفصائل المسلحة التابعة لإيران، وهذا يضر بنفوذها على الشيعة في العالم والعراق خصوصا، بل حتى أن ابتعاد الصدر عن الحائري ورفضه أن يكون خامنئي مرجعا له، وأن تكون مرجعيته النجف فقط، أضعف موقفها أكثر".
ويعتقد المحلل أنه "إذا استمر الصدر في منهاضته للولاء لإيران، سيكون الانقسام الشيعي "أكبر".
ومن جانبه، قال النائب العراقي السابق، عمار الشبلي، إن لإيران "مصالحها الخاصة، ومصالحها قد تلتقي وقد تختلف مع العراقيين، لكن العراقيين الذين سئموا من العنف وانفلات السلاح وتردي الوضع الاقتصادي يريدون فقط حكومة قوية تعيد الاستقرار الأمني والاقتصادي".
"المكائد السياسية"
ولم يستبعد التقرير "المكائد السياسية"، ويشير إلى أن السيستاني في التسعينيات من عمره وتصريحاته أصبحت نادرة، والقادة الشيعة في العراق وإيران يستعدون لوفاته، وحدوث "صدع" إذا ظهر أكثر من خليفة له في النجف.
ويعتقد التحليل أن الصدر يهيئ نفسه لفترة ما بعد السيستاني، على أمل أن يلعب دورا في اختيار خليفة له، رغم "مؤهلاته المحدودة".
وتقول المجلة إن الصدر يعتقد أنه مع الحصول على مزيد من النفوذ على الحكومة في بغداد وحصة أكبر من غنائمها، سيكون قادرا على ممارسة المزيد من النفوذ على المؤسسة الدينية في العراق.
وتابعت المجلة أنه لو كان الصدر نجح في تشكيل حكومة، لكان أنصاره ادعوا أن الصدر قلب نظام "المحاصصة"، بينما هو في الواقع يحاول أن يضع هذا النظام تحت سيطرته وليس إنهاءه.
ويكره الصدر بشكل خاص التحالف مع نوري المالكي، الذي فازت كتلته بـ 33 مقعدا في انتخابات العام الماضي، وهي ثاني أعلى نسبة بين الفصائل الشيعية بعد الصدريين، وخلافه معه يعود إلى عام 2008، عندما أمر المالكي، الذي كان رئيسا للحكومة، قوات الأمن بمواجهة ميليشيات الصدر، ولم يغفر له الصدر ذلك "الإضرار بحركته في ذروة الحرب الأهلية".
ويشير التقرير إلى محاولته تشكيل حكومة وفشله في ذلك، بعد أن قضت المحكمة العليا، التي تم تعيين قضاتها من قبل الفصائل الشيعية الموالية لإيران، بأن المجلس التشريعي يجب أن ينعقد بأغلبية الثلثين على الأقل لانتخاب رئيس، على عكس الأغلبية البسيطة المطلوبة في السنوات السابقة.
وقاطعت الفصائل الشيعية المعارضة للصدر جلسات البرلمان وحرمته الأغلبية اللازمة للتصويت.
وفي يوينو، سحب مرشحه لرئاسة الوزراء، جعفر الصدر، ترشيحه، ثم أمر الصدر نائبه البالغ عددهم 73 نائبا بالاستقالة بشكل جماعي من البرلمان، على أمل إجبار منافسيه على رفع مقاطعتهم وعقد المجلس.
لكن مناورة الصدر جاءت بنتائج عكسية، وفق المجلة، حيث تحرك خصومه الشيعة بسرعة لملء المقاعد، التي بموجب القانون تذهب إلى الوصيف في كل منطقة عندما يستقيل الفائز.
ومع سيطرة منافسيه على أغلبية برلمانية جديدة، خشي الصدر استبعاده من حكومة قد تبقى في السلطة لمدة ثلاث سنوات.
وفي يوليو، دعا أتباعه إلى اقتحام المنطقة الخضراء وحصار البرلمان، واحتشد آلاف مطالبين بحل البرلمان الحالي وإجراء انتخابات مبكرة.
وانتهى حصار الصدريين للبرلمان في 30 أغسطس، بعد أن أمر الصدر أنصاره بمغادرة الشوارع لتجنب المزيد من العنف.
ويقول هاشم إنه "ربما خسر النزال في مجال التعاطي الدستوري، بعد أن انسحب من البرلمان وضعف موقفه الانتخابي، لكن موقفه الجماهيري بقي متصاعدا".
ورغم ذلك، "لو حاول إحداث تغييرات جوهرية خارج الإطار الدستوري، سيخسر أكثر".
ولكن مع ذلك "الكتل السياسية تراعي حضوره وثقله السياسي حتى لو اعتزل العمل السياسي، خشية حدوث مواجهات، كما حدث مؤخرا".
ويقول تقرير المجلة إن الصدر "ربما أخطأ في التقدير من خلال التحريض على العنف دون خطة واضحة لكسر الجمود السياسي في العراق، لكن لديه طريقة للتعافي من النكسات السياسية والنهوض بقوة أكبر".
ورغم "سمعته كزعيم (..) فقد خاص الصدر لعبة طويلة، إذ تجاوز الاحتلال الأميركي وبعض الأعضاء في التسلسل الهرمي الديني في النجف، وبنى حركة اجتماعية وسياسية هائلة يمكنها تقديم الأصوات والاستفادة من نظام المحسوبية الفاسد في العراق".
و"لسنوات، أظهر الصدر مهارة سياسية أكبر مما يعتقد خصومه".
ورغم أنه فشل في حملته لاحتواء النفوذ الإيراني، وإضعاف الفصائل الشيعية الأخرى، وفرض السيطرة على ترتيبات تقاسم السلطة في البلاد، "يبقى السؤال المطروح ما إذا كان معارضو الصدر سيحاولون إقصاءه من الحكومة كليا، ويخاطرون بإطلاق العنان لدورة جديدة من إراقة الدماء؟، أو سيحاولون الوصول إلى حل وسط وبالتالي يؤخرون طموحه الكبير في أن يصبح أقوى زعيم شيعي في العراق.
يشير المحلل رعد هاشم إلى وجود أطراف "مرنة" في "الإطار التنسيقي" تسعى لاسترضاء الصدر، لكن "جهات متشددة في تيار المالكي تريد أن تبعده عن العملية السياسية وتنفرد هي بالقرار، مما يؤشر على انشطار متوقع لجماعات الإطار التنسيقي التي تعمل الجهات المتشددة فيها على التمسك بشروطها، مثل الإبقاء على السوداني لرئاسة الوزراء.
ويرى أن الوضع الحالي "هدنة غير معلنة فرضتها الأربعينية الحسينية، لكن ما أن تنتهي بعد أيام قليلة، سيحدث تصعيد سياسي" بسبب "اللاتفاهمات وتمكسك الطرفين بشروطهما ومحاولات لي أذرع" رغم محاولات التهدئة وفتح الحوار للعمل على حكومة جديدة مغايرة يرضى عنها الصدر.
ويتوقع أن يؤدي التعنت من الطرفين إلى مواجهات "بوتيرة أعلى لكن هذه المرة في المحافظات التي لدى الطرفان فيها جماهير، و"ربما تتوسع تارة وتهدأ تارة، لكن مع حالة عدم التفاهم سوف تستمر".
ومن جانبه، يتوقع الشبلي حدوث تظاهرات لأنصار التيار الصدري لكن لن يشوبها الكثير من العنف.
ويرى أن الانتخابات المبكرة "أصبحت حاجة لكن يجب على البرلمان تعديل قانون الانتخابات أولا، والتصويت على حكومة جديدة تتعهد بإجراء انتخابات خلال فترة معينة، وتستطيع أن تحافظ على أمن الانتخابات".
ويضيف: "كل القوى السياسية تدعو لإجراء انتخابات مبكرة لكن حكومة تصريف الأعمال لن تكون قادرة على ذلك".
مشاهدة 1006
|