استنباط الواقع والسياسة الراشدة... قراءة في كتاب: البارزاني والحركة التحررية الكُردية... من المؤكد أن من لا يقرأ التأريخ لا يفهم الواقع؟... وهذه المعلومة تتطلب من القاريء دائما جهدا مضنيا وجلدا في تصفح ومطالعة الانتاجات التأريخية المعتبرة للإمساك بتلابيب اللحظة وجعلها متيقظة دائماً مقابل شدة أهوال الماضي كالذي يجعلها جسراً تاريخيا بين الايام الغابرة والحاضرة في آن واحد.
ورب كاتب مبدع أو سياسيٍّ فذ أو مؤرخ محايد عندما يعتاد الاعتماد على التدوين وعلى ذاكرته كسجل موثق لتوثيق الاحداث ولما دار حوله ومعه من قصص الكفاح والثورة والهجرة على رائحة وعبق البارود أثناء المعارك الطاحنة التي دارت رحاها في جبال وسهول كُردستان للنجاة من طلاسم السياسة الغادرة والمؤامرات التي حيكت ضد شعب آمن وحرمة الحياة بأيادي مسوسة ضد شعب بريء طالب ببعض حقوقه المشروعة تحت مظلة القانون أسوة ببني البشر؟. لذا فان الشعور بنقلة نوعية وكبيرة جداً في أرشفة الوقائع التاريخية وما يتم حوله فان ذلك سينعكس ايجابا على الابداع وإن مثل هذه الأرشفة تعد فعلا دعامة أصيلة للكتابة وللخلق الفني الرفيع.
إن من أبرز سمات السياسي المخضرم هي أن يضع السياسي أمامه احتمالات كبيرة للمغامرة السياسية التي قد تصل أحيانا لدرجة المخاطرة بحياته و حياة أسرته كما حدث مرات عديدة للسيد مسعود بارزاني وافراد عائلته من أجل تحقيق اهداف سياسية نبيلة والذي قد يتعارض في غالب الاحيان مع مصالح وسياسات المنافسين والأعداء؟.
ويعرف المختصون السياسي المحنك بأنه الشخص الذي يشارك في التأثير على الجمهورمن خلال التأثير على صنع القرار السياسي أو الشخص الذي يؤثر على الطريقة التيتحكم المجتمع من خلال فهم السلطة السياسية وديناميكية تحرك الجماعة. وهذا يشمل الأشخاص الذين يشغلون مناصب صنع القرار في الحزب و الحكومة والدولة.
وكلما اتصف السياسي المحنك بالنظرة الثاقبة في قراءة الطالع؟ والهدوء والتوازن في التعامل مع ما هو قادم كان أكثر قدرة على معالجة العقبات والمشكلات دون اللجوء إلى التسرّع أو الاستعانة بالقلق. وذلك وفق الالتزام بقاعدة التصرّف الممتزج بالدقة.
ان السّياسي البراغماتي هو من تعلم باستمرار من دروس التّاريخ ونظر في أحداث التّاريخ نظرةً ثاقبة متبصّرة لاستنباط الأساليب الصّحيحة في الحكم والسّياسة الرّاشدة. فالتّاريخ يعيد نفسه والذّكي من يكون قادرًا على تجنّب الأخطاء التي وقع فيها السّياسيّون في الماضي من خلال اتخاذ القرارات التي يرى أنّها الصّواب في التوقيت المناسب واللحظة المناسبة وبدون تردّد وكيفية الموازنة بين الإيجابيّات والسّلبيّات وتغليب المصلحة العامّة.
وبما أن السياسة تحتل جانبًا مهمًّا في حياة الزّعماء والقادة ورجالات الدولة. وعلى هذا المنوال يتعلّق الكثير من الكتّاب والمحلّلين كذلك بالسّياسة باعتبار أنّ الكتابة فيها هي مهنتهم أو هي هوايتهم التي تستهويهم وتلامس شغاف قلوب العامة من الناس وذلك لما في السّياسة من حقائق ومفاجآت وأسرار ومغامرات وتشويق أحيانًا فالإنسان شرقيا كان أو غربيا يقبل يومًا بعد يوم على متابعة الاصدارات السّياسة والأخبار السّياسيّة في المنطقة والعالم.
وخلال شغفنا بدراسته وقراءته بتأني لكي نخصه بالذكر والتدقيق والتعليق وفق السياقات الاصولية والتاريخية والمحاور المهمة هو اطلالة ما صدر حديثا باللغة الكُردية من المجلد الخامس لكتاب (البارزاني والحركة التحررية الكُردية) لمؤلفه السيد مسعود بارزاني. الكتاب يقع في ٨٣٢ صفحة مفعمة بالوقائع والمخاطبات السياسية المشوقة لحقبة بداية التسعينات وصولا لعام ٢٠٠٢ إبتداء بعرض الاوضاع السياسية والمعيشية للكُرد جراء مآسي عمليات الانفال في نهاية الثمانينات ومرورا بانتهاء الحرب العراقية الايرانية ومألات هذه الحرب الطاحنة المدمرة على العراقيين بشكل عام وعلى كُردستان أرضا وشعبا بشكل خاص ثم البدء بآلية تنظيم صفوف قوات البيشمركة من جديد وتأثير مستجدات نظام القطب الواحد على العالم بعد هيمنة الولايات المتحدة الامريكية على الساحة السياسية العالمية خاصة أثناء أزمة الخليج الثانية المتمثلة باحتلال الكويت وبدءالعمليات العسكرية من قبل التحالف الدولي ضد العراق ومن ثم كيفية الاستعداد للانتفاضة في كُردستان العراق عام ١٩٩١ باشراف مباشر من الجبهة الكُردستانية ودراسة كل الاحتمالات المتوقعة والهجرة المليونية لشعب كُردستان نحو الحدود الايرانية والتركية وفرض منطقة الحظر الجوي على القوات العراقية من قبل الامم المتحدة وتفاصيل بدء المفاوضات مع بغداد وحيثيات اللقاء الاول مع صدام حسين وقرار اجراء الانتخابات في كُردستان وتأسيس حكومة اقليم كُردستان والتعامل مع المحيط الدولي وتبني صيغة الفدرالية لاقليم كُردستان وبداية الاقتتال الداخلي والتدخلات الاقليمية خاصة الايرانية وموقف بغداد من ذلك وابرام اتفاقية واشنطن بين الحزبين الرئيسيين والجهود الامريكية والاوروبية في هذا المسعى ثم التحضير لمرحلة ما بعد أحداث ١١ سبتمبر في نيويورك ومحاربة الارهاب وصولا لمرحلة ما قبل سقوط النظام العراقي في نيسان ٢٠٠٣ والتهديدات التركية ضد الاقليم وكل ذلك موثقة بالصور والوثائق والجداول والبيانات والمكاتبات الخطية الرسمية والشخصية اضافة الى عرض عدد من الاتفاقات المبرمة على مستوى الاشخاص والاحزاب وصناع القرار مع ملاحظة أن الكتاب يخلو من فهرس الأعلام والاماكن كما كان موجودا في الاجزاء السابقة؟؟ ومع هذا أبدع مضمون الكتاب بأجمله بجذب شريحة واسعة من القراء خلال فترة قصيرة من صدوره والسبب لما يعرفه هواة السياسة والتاريخ أولا من خلفية ثورية لكاتب هذه المذكرات الرئيس مسعود بارزاني والذي أماط اللثام بجرأة عن جملة من الاسرار والخفايا والقضايا الحساسة المهمة على مستوى كُردستان والعراق والمنطقة طيلة معاصرته لخضم هذه الاحداث ووقعها في سجل الحركةالكُردية طيلة اكثر من سبعين عاما (ابتداءً من الاجزاء السابقة من الكتاب) مع الالتزامالكامل بعدم القصور في الاثراء المعرفي وتزويد القاريء بمعلومات وافية أثناء سردالاحداث بكل تمعن والالتزام بدقة المعروض عن أعلام السياسة المشاركين في صناعة الحدث أو الساسة الذين تدخلوا في صناعته عند الاخرين من حيث المكان والزمان أي مراعاة كاملا لامانة التاريخية في عرض الوقائع بحيث يمكن اعتبار الكتاب مصدرا مهما للمعلومات واسهاما تأريخيا في إغناء المكتبة الكُردية والموسوعة العراقية بمصدر حديث معمق في اطار السياق الفكري والثقافي والارث التاريخي للنضال الدؤوب في صفوف الحركة التحررية الكُردية وكأن الكتاب بمثابة حصن فكري لكل ثائر ومناضل عتيد بحيث يظهرالسياسي البارز السيد مسعود بارزاني نتيجة لتراكم خبراته في ميدان السياسة وفي كلما يرويه من حقائق كان هو شاهدا عليها كأنه مجاهد بالحجة والبيان والبرهان لتأصيل الثوابت المقدسة في ضمير الانسان الكُردي سواء كان مناضلا سياسيا أو مقاتلا في صفوف البيشمركة أو مواطنا مدنيا أو مفكرا يستلهم الثقافة وكل ذلك لنصرة قضيتهم العادلة والمشروعة لشعب مضطهد طيلة قرن كامل والى الان والى أن يكون هناك سلام حقيقي عندما تتقارب النفوس بكل صدق وتعالج الامراض؟ وتحل المشاكل العالقة ويحقالحق في الدفاع عن النفس وحق تقرير المصير.
مشاهدة 1252
|