اربيل (zna) لا تنفصل التصريحات التي أدلى بها مسؤولان بارزان في الحزب القومي الهندوسي الحاكم في الهند عن مواقف سابقة ارتبطت بالحزب، وتاريخه الطويل في الترويج للهندوسية على حساب الأقليات الدينية في البلاد.
وكان لتصريحات المسؤولين في حزب الشعب الهندي (بهاراتيا جاناتا) ردود فعل واسعة النطاق داخل وخارج الهند، حيث تم التطرق مجددا إلى توجهات الحزب الذي لطالما اتهم بالسماح بمعادة المسلمين وإقرار التشريعات الكفيلة بذلك.
وكانت المتحدثة باسم الحزب، نوبور شارما، تطرقت في تغريدة إلى علاقة النبي محمد بزوجته الصغرى، بينما أدلى متحدث آخر باسم الحزب، هو نافين كومار جندال، بتعليقات مماثلة على تويتر لكنه سرعان ما حذفها.
وتسببت تصريحات شارما في اندلاع صدامات في ولاية أوتار براديش الهندية فيما طالبت منظمات إسلامية هندية بتوقيفها.
وخارج الهند، أزال متجر غذائي كبير في الكويت البضائع الهندية من على رفوفه، فيما توالت الإدانات في العالم العربي وفي أفغانستان وباكستان وغيرها من الدول.
وفي القاهرة، اعتبر الأزهر في بيان أن مثل هذه التصريحات تمثل "الإرهاب الحقيقي بعينه الذي يمكن أن يُدخل العالم بأسره في أزمات قاتلة وحروب طاحنة"، ونددت السعودية بالتصريحات واستدعت السلطات في قطر والكويت سفيري الهند لتقديم احتجاج رسمي.
وعلى إثر ردود الفعل، علق الحزب عضوية شارما بسبب تعبيرها عن "آراء مخالفة لموقف" حزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي، بينما طُرد جندال.
وبررت شارما تعليقاتها بأنها جاءت ردا على "الإهانات" الموجهة ضد الإله الهندوسي "شيفا"، وقالت "إذا تسببت كلماتي بإزعاج أو أساءت إلى المشاعر الدينية لأي شخص على الإطلاق، فأنا بموجب ذلك أسحب تصريحي من دون شرط".
عنف متزايد في المجتمع الهندي
وتأتي التصريحات المثيرة للجدل في أعقاب أعمال عنف متزايدة لقوميين هندوس استهدفت الأقلية المسلمة، فيما أشار البعض إلى صمت مودي عن مثل هذه الهجمات، منذ انتخابه لأول مرة عام 2014.
وحذرت منظمات حقوقية، مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، من أن الهجمات قد تتصاعد، واتهمت حزب مودي بتجاهلها وفي بعض الأحيان تمكين خطاب الكراهية ضد المسلمين، الذين يشكلون 14 في المئة من سكان الهند، البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة.
وعندما قضت محكمة في ولاية ارناتاكا بحظر ارتداء الحجاب في المدارس، اتهمت جماعات الحزب بشق إسفين بين المجموعات الدينية التي تعايشت بسلام منذ أجيال.
وتقول مجموعات حقوقية إن انتخاب مودي حفز الجماعات المتشددة، التي تعتبر الهند وطنا للهندوس، وتسعى لتقويض الأسس العلمانية على حساب المسلمين.
التأسيس والإيديولوجية
يقول موقع الموسوعة البريطانية إن جذور الحزب تعود إلى ما يسمى "رابطة الشعب الهندي"، التي تأسست عام 1951 باعتبارها جناحا سياسيا لجماعة موالية للهندوس تسمى "راشتريا سوايامسيفاك سانغ".
دعت "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" إلى إعادة بناء الهند وفقا للثقافة الهندوسية وآمنت بدولة موحدة قوية، لكن لطالما اتهمت بالتطرف السياسي والديني، لاسيما لأن عضوا فيها كان من اغتال الزعيم مهاتما غاندي.
وتأسس حزب بهاراتيا جاناتا رسميا عام 1980، وظل منذ ذلك الوقت مدافعا قويا عن فكرة "هندوتفا" وتعني شمول الثقافة الهندوسية، وكان ينتقد بشدة السياسات والممارسات العلمانية للمؤتمر الوطني الهندي (حزب المؤتمر).
وتقول مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إن "هندوتفا" جعلت هذا الحزب مميزا عن بقية الأحزاب لأن غالبية الأحزاب السياسية الهندية علمانية، ولا تؤمن بتفوق أي دين على أي دين آخر.
بدأ حزب بهاراتيا جاناتا في تحقيق نجاحات انتخابية عام 1989، عندما دعا إلى تشييد معبد هندوسي في منطقة في أيوديا التي يعتبرها الهندوس مقدسة، لكنها كانت تضم مسجدا يسمى "بابري".
بحلول عام 1991، زاد حزب بهاراتيا جاناتا بشكل كبير من جاذبيته السياسية، وحصل على 117 مقعدا في البرلمان، ووصل إلى السلطة في أربع ولايات.
وفي ديسمبر 1992، اُتهمت منظمات مرتبطة بحزب بهاراتيا جاناتا بهدم مسجد "بابري"، مما أدى إلى ردود فعل غاضبة في عموم البلاد، خلفت أكثر من 1000 قتيل.
في ذلك الوقت، كان العديد من العلمانيين يرون أن أفكار الحزب تتناقض مع العلمانية المعاصرة التي تحتوي الجميع.
مودي في السلطة
وبعد تقلد الحزب رئاسة الحكومة في 2014 بزعامة مودي، عاد الحديث عن "هندوتفا"، وزادت شعبية الحزب مع تضاؤل جاذبية الأحزاب العلمانية، التي اتهمت باستخدام الأقليات مثل المسلمين كـ"بنوك تصويت"، وخدمتهم على حساب الأغلبية من السكان الهندوس.
لكن في الوقت ذاته، لا يعبر حزب بهاراتيا جاناتا بشكل واضح عن اعتقاده بأنه يخدم بشكل أساسي مصلحة الهندوس في الهند، فداخل الحزب هناك قدر كبير من الاختلاف فيما يتعلق بكيفية تطبيق فكرة الهندوسية.
وتقول الصحفية الهندية، الباحثة في في شؤون جنوب آسيا، كالبانا جين، إن مصطلح "هندوتفا" استخدمه لأول مرة عام 1923، الثوري المناهض للاستعمار، فيناياك دي سافاركار، ويعني أن المواطن الهندي، حتى لو لم يكن هندوسيا، يستطيع احتضان ثقافة ولغات وديانات "الهند الأم".
أما ريستوف جافريلوت، أحد أكثر الباحثين شهرة في القومية الهندوسية، فيصف سافاركار بأنه وضع "الميثاق الأول للقومية الهندوسية" من خلال توحيد الأديان الأصلية في الهند ضد المسلمين والمسيحيين الذين كانوا يعتبرون غزاة من الخارج.
وأصبحت آراء سافاركار أساس القومية الهندوسية المعاصرة، ونمت عضوية "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" في أربعينيات القرن الماضي إلى 600 ألف شخص، والآن يزيد عددهم عن خمسة ملايين.
وتحت حكم مودي، تم تعميق القومية الهندوسية في السياسة، ويشغل القوميون الهندوس الآن مناصب بارزة على المستوى الوزاري .
وتقول الباحثة في مقالها على موقع "ذا كونفيرزيشن" إن موقف الهند كدولة علمانية معرض للخطر. في ظل حزب بهاراتيا جاناتا، تم استهداف 200 مليون من الأقلية المسلمة في البلاد".
وتقول مجلة التايم إن حزب بهاراتيا جاناتا "خلق إحساسا عميقا بأن الهندوس ضحايا، وزاد من انفصال المسلمين عن طريق التضليل وخطاب الكراهية، وفتح الجراح الدينية القديمة، وتلاعب بوسائل الإعلام، وأسكت الأصوات التقدمية، ومكن مجموعات القصاص الهندوسية".
وتضيف أن المسلمين يتعرضون بشكل روتيني لهجمات عشوائية لارتكابهم "جرائم" مثل نقل الماشية، أو التواجد برفقة نساء هندوسيات.
ويتعرض الباعة والعمال المسلمون لهجمات متزايدة من الجماعات الهندوسية المتطرفة التي تدعو إلى مقاطعة الأعمال التجارية الإسلامية.
وتمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي الهندية اليوم بمقاطع فيديو لأشخاص نصبوا أنفسهم حماة للهندوسية، ويطالبون بإعدام المسلمين دون محاكمة، ونادرا ما يتم توقيف أتباع التفوق الهندوسي البارزين بسبب خطاب الكراهية.
مشاهدة 925
|