اربيل (zna)
كان لانهيار الأوضاع الاقتصادية وفرض حركة طالبان الحاكمة المزيد من القيود على الحريات العامة بالإضافة إلى المخاوف من تفجيرات داعش وقع مرير أفسد فرحة الأفغان بالعيد، وفقا لما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز".
وكانت، زلحجة مرزادة، وهي أم لخمسة أطفال، قد حملت قطعة قماش تحتوي على بعض الفاكهة المجففة، قبل أن تستقل الحافلة مع فلذات أكبادها بغية قضاء أول أيام العيد في حديقة الألعاب، ولكن فرحتها لم تتم إذ منعها عناصر من حركة طالبان من دخول المنتزه قائلين لها إن قرارا قد صدر بعدم دخول النساء.
وقالت الأم، البالغة من العمر 25 عاما، بأسى: "نحن نواجه أعباء اقتصادية، والأشياء باهظة الثمن، ونعاني البطالة، ولا تستطيع بناتنا الذهاب إلى المدرسة، وفوق كل هذا جرى منعنا من دخول الحديقة".
وفي حين عانى الأفغان من العنف والقتل والاغتيالات في العقدين الأخيرين، فإن الكثيرون منهم كانوا يأملون في يكون عيد الفطر نقطة تحول في حياتهم تنقلهم إلى السلام والهدوء والاحتفال مع عائلاتهم بفرح بعد انتهاء شهر الصوم.
مخاوف الهزارة من داعش وطالبان
أقلية الهزارة الشيعية كانت لديها مخاوف من التوجه إلى المساجد لأداء صلاة العيد خوفا من استهدافهم، على غرار ما حدث مرات عدة في الشهور والأسابيع الماضية.
وفي مسجد سيد آباد، أكبر مسجد شيعي في مدينة قندوز في شمال البلاد، وصل حوالي 50 مصليا فقط، مقارنة بـ 400 إلى 500 شخص في السنوات السابقة، وذلك خوفا من وقوع انفجار آخر.
و لكن العديد من الذين أدوا صلاة العيد كانوا مدفوعين بخوف مختلف، فهم أيضا لا يريدون أن يظهروا أنهم أعلنوا "العصيان" على حكومة طالبان التي قالت إن أول أيام العيد هو الأحد، بينما أكدت مرجعيات شيعية أن أول أيام العيد لطائفتهم هو يوم الثلاثاء، في حين أعلنت السعودية أن أول أيام العيد هو الاثنين.
وقال منصور، 33 عاما، والذي رفض الكشف عن اسمه كاملا: "لم يهددنا عناصر طالبان بضرورة أداء صلاة العيد يوم الأحد، ولكن بمجرد أن جاؤوا وأخبرونا أن صلاة العيد سوف تكون في ذلك اليوم، وأنهم سيأتون لتوفير الأمن في المسجد، لم يجرؤ العديد منا على رفض ذلك".
وأضاف: "لم أصدق أن العيد قد حل فعلا".
من ناحية أخرى أجبرت الأزمة الاقتصادية الخانقة وارتفاع أسعار السلع الأساسية، معظم العائلات على عدم شراء ملابس جديدة لأطفالهم أو إحضار الحلويات والفاكهة المجففة لمنازلهم.
كما أن الكثير من النساء في المناطق الحضرية، اللواتي فرضت عليهن حكومة طالبان قيودا صارمة في اللبس والعمل والخروج من المنزل، لم يجدن سببًا يذكر للاحتفال، وفي هذا الصدد تقول مرزادة إنها أمضت يوم العيد على قارعة الطريق مع أطفالها بعد منعها من دخول حديقة الألعاب، مضيفة: "بصراحة ليس لدينا عيد هذا العام".
"احتفاء بالنصر"
ولكن بالنسبة لمسلحي طالبان وضباط الشرطة التابعين للحركة الأصولية، فإن العيد كان بمثابة لحظة للاحتفاء بتسلمهم مقاليد الحكم في البلاد من جديد، فمحب الله مشفيق، 26 عامًا، كان يقضي أعياده في سفوح الجبال والقرى النائية بعيدًا عن أقاربه منذ انضمامه إلى طالبان في سن الخامسة عشرة من عمره.
ولكن بعد أن استتب الأمر للحركة الأصولية نقل عائلته من قريتهم في شرق البلاد إلى شقة في الطابق الثالث بإحدى العمارات في العاصمة كابول.
وفي أول صباح من العيد هذا العام، تبادل الحلويات مع ابنه البالغ من العمر أربع سنوات وابنته البالغة من العمر عامين، مؤكد أن كلاهما فرح لقضاء عطلة العيد في المدينة الكبيرة.
وبالقرب من موقف عام للسيارات في العاصمة، قال عنصر آخر، ويدعى عبيد الله إدريس، 21 عامًا، إن والدته ناشدته العودة إلى قريتهم في وردك، وهي مقاطعة جبلية جنوب غرب كابول، للاحتفال بالعيد.
وأوضح إدريس أن حديثه مع أمه جعله يشعر بالحنين إلى مسقط رأسه، ولكنه سرعان ما تم استبدال حنينه إلى الوطن بـ"الإحساس بالواجب" الذي شعر به، وهو البقاء في كابول للعمل ضمن الدوريات التي تجول في الشوارع بحجة توفير الأمن للناس.
وأما باروين السادات، 32 عامًا، وهي معلمة في مدرسة خاصة، فقررت الذهاب في رحلة مدتها 27 ساعة إلى باميان مع زوجها وطفلها البالغ من العمر ست سنوات لزيارة أهلهم بعد أن كان ذلك مستحيلا خلال الأعوام الماضية بسبب الحرب ومخاطر الطريق.
وقالت بعد وصولها لهرات"لم أكن أعرف أن بلادنا بها مثل هذه الوجهات السياحية والأماكن التاريخية والكثير من الجمال".
لكن بالنسبة للعديد من الأفغان الذين سحقهم الانهيار الاقتصادي للبلاد منذ أن أطاحت طالبان بالحكومة المدعومة من الغرب، ظلت حرية السفر ورفاهية النزهات الاحتفالية بعيدة المنال.
ووفقًا للمشرفين على الأماكن الترفيهية، فإن حديقة سيتي بارك، والمتنزه الترفيهي في كابول، وحديقة الحيوانات، كان لديها أقل من نصف عدد الزوار الذين يأتون عادةً كل عيد، إذ كان الإقبال المنخفض انعكاسًا لكل من الانكماش الاقتصادي في البلاد بالإضافة إلى قرار طالبان بمنع النساء من دخول تلك الأماكن.
وفي منزل متواضع مطوي في أحد سفوح التلال العديدة في كابول، اجتمعت زيلا، 18 عامًا، مع أقاربها في منزل خالتها في اليوم الثاني من العيد، حيث تعجبت من من ابنة خالتها، البالغة من العمر ستة أيام فقط، وهي تنام بسلام في حجر والدتها.
وقالت زيلا مازحة: "الطفلة تعلم أننا مررنا بالكثير، فهي بحاجة إلى أن تشعرنا بالسلام والهدوء".
وتستذكر الأعياد في العام المنصرم، حيث كان بقدرتها التنزه مع الفتيان والفتيات بحرية وركوب الدراجات والقوارب والقيام بالعديد من الأنشطة الترفيهية، لتبدو كأنها ذكريات من زمن غابر وبعيد، وعندها تتنهد بحسرة، قائلة: "أيام العيد أضحت مثلها غيرها، إذ لم يعد بإمكاننا الفرح والخروج.. لم نعد أحرارا".
مشاهدة 1021
|