ZNA- أربيل
تتسع ظاهرة عمالة الأطفال في العراق لتصل إلى حد وصفته وزارة العمل بـ "الأسوأ" في تاريخ العراق وسط بقاء القوانين المكافحة لهذه الظاهرة شبه مشلولة نتيجة ضعف عمل لجان الرقابة والظروف الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي تسود في البلاد، التي ساهمت في تفاقم الظاهرة.
دخان معامل الطابوق
يملأ الدخان المنبعث عن معامل الطابوق المستخدم في بناء المنازل سماء مدينة النهروان الواقعة عند أطراف العاصمة، بغداد، حيث تعمل العشرات من العوائل في تلك المعامل ورغم ظروف العمل القاسية وخطورتها الصحية بحثا عن لقمة العيش.
يرافق العديد من الأطفال عوائلهم في معامل الطابوق لساعات طويلة من أجل الحصول على بضعة آلاف من الدنانير، التي دفعتهم لترك دراستهم دون ضمانات أو حقوق تقيهم من الملوثات البيئة أو قساوة العمل وصعوبته داخل تلك المعامل.
يقول محمد، 13 عاما، لموقع "الحرة" إنه يحصل على 115 ألف دينار (6 دولارات) مقابل العمل لأكثر من عشرة ساعات، من أجل مساعدة عائلته.
ويضيف "أنا هنا مع والدتي وإخواتي، اضطررنا للانتقال من إحدى المحافظات الجنوبية والعمل هنا وهو ما دفعني لترك الدراسة. منذ شهرين بدأت العمل هنا وتركت الدراسة، كنت أدرس بالصف الرابع لكني تركتها".
رقابة محدودة
اتسعت ظاهرة عمالة الأطفال خلال العقد الماضي في العراق بشكل كبير , ويرجع نقابيون تفشي ظاهرة عمالة الأطفال إلى الظروف الاقتصادية والأمنية التي عاشتها البلاد إضافة إلى قطاع العمل غير المنتظم.
ويشير علي رحيم الساعدي، رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال العراق، إلى أن " السبب هو كثرة الصراعات والحروب التي مرت على البلاد وانتشار البطالة وإغلاق المعامل والشركات وخروج قطاع عمل غير منظم وغير مسيطر عليه سواء نقابيا أو حكوميا".
ويبين الساعدي أن هذا القطاع مدعوم حزبيا وسياسيا وهو بعيد عن الرقابة وبعيد عن القوانين. موضحا وجود لجان ثلاثية مشكّلة بين النقابة ووزارة العمل واتحاد الصناعات.
ويقرّ بأن دور تلك اللجان "ليس بالمستوى المطلوب" ولا يغطي كل مرافق العمل، مستدركاً "لكنّ ممثليها يسعون قدر الإمكان للوصول إلى أطراف المدن".
من جهته، يقول يرى رئيس اتحاد الصناعيين العراقيين، عادل عكاب، أن الوضع الاقتصادي "أثّر كثيرا على دور تلك اللجان وعددها"
ويشير في حديثه لموقع الحرة إلى أن الاتحاد ونتيجة "محدودية ميزانيته دون دعم حكومي"، لا يمتلك سوى خمسة ممثلين من أصل 24 لجنة.
ويؤكد عكاب أن ضعف الموارد والإمكانيات وغياب الممثلين عن اللجان "يولد مشاكل كبيرة"، حيث لا تتم تغطية مواقع العمل جميعها، مضيفا أن اللجان "على الورق فقط، ولا وجود لها في الواقع".
في المقابل، يؤكد رائد جبار، مدير عام التدريب المهني في وزارة العمل العراقية، أن لجان التفتيش التابعة لهم "رصدت مئات الحالات" لأطفال تحت السن القانوني عاملين في مشاريع، وقامت "بإنذار أصحاب هذه المشاريع" وتسجيل المخالفات بحقهم.
قوانين مؤجلة
تنص قوانين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق على معاقبة المسبب في تشغيل الأطفال بعقوبة تتراوح بين الغرامة المالية وإيقاف التصريح لرب العمل أو حتى إيقاف النشاط.
وفي قانون الاتجار بالبشر، يعاقَب من يستغل شخصاً لا يعي حقه، كالأطفال، بالسجن أو الغرامة المالية.\
أما دولياً، فإن اتفاقية حقوق الطفل في المادة (32-1) تقول: "تعترف الدول الأطراف بحق الأطفال في حمايتهم من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون ضاراً بصحة الطفل، أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي".
يقول الخبير القانوني، علي جابر التميمي، إن قانون العمل "37" لعام 2015 الأخير، منع تشغيل الأطفال دون سن الـ15، وحصر السماح بتشغيل من هم بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة وفق شروط ورقابة ومهن محددة، وقد حدّد القانون عقوبة لأصحاب العمل إذا تم خرق القانون.
لكن التميمي يرى أن هذه القوانين ولدت مشلولة في الأصل، ولا تُطبقه. فعلى الرغم من القوانين، إلّا أن آلاف الأطفال ما زالوا منتشرين في الأسواق والأحياء الصناعية وعلى مكبات النفايات يعملون في أقسى الظروف التي لا تراعي أي قانون وهم يسعون إلى توفير بضعة دنانير تعيل عائلتهم من الفقر والجوع.
حملات ومحاولات
تعد وزارة العمل تفاقم ظاهرة عمالة الأطفال الأسوأ في تاريخ العراق، وهو ما دفعها إلى إطلاق حملة وطنية بالتعاون مع "منظمة العمل الدولية" تتضمن سلسلة من الأنشطة الهادفة للتصدي لأسوأ أشكال عمالة الأطفال التي تمر بالبلاد، حسب وصفهم.
ويبين رائد جبار، مدير عام دائرة التدريب المهني في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، أن "الحملة "استهدفت أكثر من عشرة آلاف طفل وأسرهم وأولياء أمورهم والمعلمين وأرباب العمل ووسائل الإعلام"، وتشمل "جلسات توعية في المدارس والمناطق التي ينتشر فيها عمالة الأطفال"، والتي يشيع فيها التسرب من المدارس.
بينما توضح المنسقة القُطرية لمنظمة العمل الدولية في العراق، مها قطاع، أن الحملة ضرورية "لأجل أن يعي الناس في العراق أن المكان المناسب للأطفال هو مقاعد الدراسة وليس سوق العمل"، مؤكدة أن منظمة العمل تدعم الحملة بقوة للقضاء على عمالة الأطفال.
مؤشرات الظاهرة
المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق تقدر "نسبة عمالة الأطفال في العراق بـ 2 في المئة"، حيث يؤكد عضو المفوضية، علي البياتي، أن عدد الأطفال العاملين في العراق يصل إلى أكثر 700 ألف طفل.
كما تشير منظمة الأمم المتحدة للطفولة إلى أن نحو 90 في المئة من الأطفال العراقيين لا تتاح لهم فرصة الحصول على تعليم مبكر، ورغم زيادة معدل التحاق الأطفال بالتعليم الابتدائي عند مستوى 92 ف يالمئة، إلا أن إكمال المرحلة الابتدائية بين أطفال الأسر الفقيرة لا يتجاوز 54 في المئة.
وبحسب آخر إحصائيات لليونيسف، فإن ثلث أطفال العراق يمرون بظروف اقتصادية صعبة تضعهم أمام متطلبات العمل لإعانة عوائلهم.
وتوضح المنظمة أن أطفال العراق يواجهون أعلى زيادة في معدلات الفقر، حيث يوجد طفلان فقيران بين كل خمسة أطفال.
وفي 10 أيار 2021، طالبت لجنة حقوق الإنسان السابقة في البرلمان العراقي بمنع عمالة الأطفال في العراق، كما طالبت الحكومة العراقية والبرلمان بإيقاف استغلال الأطفال في مهن شاقة، وذلك من خلال إصدار قرارات ملزمة بهذا الشأن.
مشاهدة 1255
|