معلوم أن التاريخ دائما عرضة للجدل والتساؤل والتحليل وعلى هذا الاساس فقد عرف عن الشعب الكُردي ورموزه التاريخية سعيهم الثابت والمُؤثل الى بذل جهود حثيثة للاقتراب والانفتاح على المحيطين العربي والغربي سياسيا ودبلوماسيا وثقافيا واجتماعيا ولا أحد ينسى في هذا المجال التحركات الدبلوماسية للزعيم الكوردي التا ريخي (مصطفى البارزاني) وبذله جهودا مضيئة للتقرب من الاخوة العرب والعشائر العربية وتوطيد العلاقات مع الرؤساء والزعماء العرب خاصة عندما قام (بارزاني) بزيارة تأريخية الى القاهرة عام ١٩٥٨ والتقى بالزعيم العربي الراحل (جمال عبد الناصر)... والجميع يعلم أن الاهتمام بالشعب الكُردي هو اهتمام بالعراق كله لانه م جزء مهممن تركيبة النسيج العراقي المتعدد القوميات المختلف عن باقي البلدان العربية من حيث التركيبة الاجتماعية التي يتمتعو ن بها...
ونحن اذ نمر اليوم بهول السنين العصيبة التي تمر على الشعب العراقي بعربه وكُرده وباقي العراقيين المنتمين للاعراق والقوميات المتعددة نقول على الاخوة العرب في سائر الاقطار العربية ان لا يكتفوا فقط بالنحيب والتقزم السياسي تجاه المشهد العراقي الحالي بل عليهم الوقوف اكثرمع معاناة شعبهم في العراق واثبات عذريتهم السياسية وايجاد طرق جديدة لحل مشاكل المنطقة وبالذات ترتيب البيت العراقي.
ومن وجهة نظرنا فان بعض أروقة ومنابر الاعلام العربي في ظرفنا الراهن لم يهتموا بالقضية الكُردية حق الاهتمام بل اكتفوا بنقل الاخبار الهامشية والسطحية عن معاناة الاكراد الموزعين في البلدان الاربعة وقد أصاب هذا الموقف الكُرد بالاحباط في كثير من الاحيان فلا يوجد من اعلاميي الا خوة العرب الا قلة قليلة ممن آثروا وتأثروا وسعوا جاهدين الى اظهار حقيقة الشعب الكُردي كما هي للعالم العربي والغربي (مواقف موجعة لكنها غير مميتة).. مع هذا: أن تصلوا متأخرا خيرمن ان لا تصلوا أبدا؟؟.
اليوم وقد وصل اقليم كُردستان الى مرحلة حرية التعبير والكلام والتخلص من دور الضحية المثالية والتوجه نحو القضايا الساخنة والاكثر اثارة في سيناريوهات بناء العراق الجديد فاذا قسنا هذه الرؤيا بمقياس انساني عادل فانها رؤيا مشروعة ومطلب طبيعي فمن حق الشعب الكُردي ومن حق الشعب الفلسطيني أيضا ومن حق اية مجموعة عرقية متجانسة ان يكون لها كيانها واستقلالها وحريتها في تقرير مصيرها وصنع مستقبلها..
لكن هذه المسألة المصيرية وبكل اسف عندما تطرح على بساط البحث والواقع تبدو أعقد من هذا التبسيط بكثير مع هذا فان الظرف التاريخي والمعطيات الدولية في الوقت الراهن وفي المنظورالقريب قد يساعد أكراد العراق على تحقيق رؤاهم بقرب المنال وقد يكون مؤجلا الى عقود طويلة وهذا مرهون بمف اجئات الايام الحبلى؟.
وعلى الرغم من ذلك فان القيادة الكُردية في اقليم كُردستان العراق تقمصت صيغة من صيغ التعايش السلمي مع المكونات العراقية الاخرى وفي اطار الدولة العراقية الواحدة مع الاخذ بنظرالاعتبار ان تاريخ وجغرافيا اقليم كُردستان يفرضان مقتضياتهما وبامكان الدول العربية الشقيقة التعامل معها وقبولها فلا احد يستطيع تغير الفسيفساء العرقي والطائفي المكون للمجتمع العراقي...فاقليم كُردستان العراق لا يمكن ان يكون عراقيا وعربيا في آن واحد وهذا ما اقره مواد الدستور العراقي الجديد بعد عام ٢٠٠٣ بقوله: ان الشعب العربي في العراق( فقط) جزء من الامة العربية.. ورغم محاولة حزب البعث المنحل التوفيق بين الهويتين العراقية والعربية لكن (بحلول لفظية فقط) وحتى ا ذا أقنعنا أنفسنا بعدم التعارض بين الهويات والانتماءات القومية في العراق فان جيراننا من الاشقاء العرب والدول الاخرى لا يبدوا عليهم الاقتناع بامكانية هذا التوفيق والازدواج والاندماج؟.... ان الانتصار في معركة البناء والاعمار التي يشهدها اقليم كُردستان مستمرة وهي أطول امدا من الحروب التي جعلت التجارب المرة في الماضي شعارها (يوم لك ويوم عليك) فقد عاش الاكراد معاناة صعبة جدا كانت أقساها في فترة تولي الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين مقاليد السلطة في العراق. ان المطالب السياسية الكُردية التي طالبت بها القيادات الكُردية في أروقة عراق اليوم كمسالة الفدرالية وصلاحيات الاقليم داخل العراق وتوظيف السياسة الخارجية للاقليم كلها امور تناقش ونوقشت داخل مؤسسات الدولة الواحدة في حين يتسابق غيرهم من احزاب عراقية على تذويب الدولة في توجهات حزبية ضيقة واقتسام مؤسساتها وكانها (غنائم حرب) وذلك في غفلة كبيرة عن التداعيات الوخيمة التي تترتب عن هذا الاحتقان السياسي مستقبلا؟.
ان للمسألة الكُردية في العراق أبعاد وجذور عميقة منها تاريخية ومنها اجتماعية وسياسية ذات اتصال وتناغم مع ماكنة الرقابة السياسية في العالم الحساسة جدا تجاه اي تحرك دولي خاصة في منطقة الشرق الاوسط ونتيجة لتجارب وتراكم خبرات الماضي فقد أصبح اليوم الملف الكُردي في الشرق الاوسط ملفا ساخنا على الصعيدين الاقليمي والدولي ولكي لا يذهب تضحيات الماضي هباء منثورا فقد تبنت القيادة الكُردية ستراتيجية بعيدة الامد ورؤية مستقبلية متكاملة لتحديد البدائل وتقيمها والتنبؤ بالنتائج المتوقعة واختيار أفضل القنوات الدبلوماسية واختيار الغايات المنشودة في اطار الامكانيات الحالية ومواجهة الاحتمالات المنتظرة بمعنى (التفكير قبل آ لاداء وآلاداء في ضوء الحقائق الملموسة).. ويعد هذا الانفتاح الكُردي والاستراتيجية المتبعة تفهما بناء مرنا لاحتواء المشهد العراقي فقد كانت اربيل عاصمة اقليم كُردستان دائما مركزا قويا لأستقطاب الاطراف العراقية المتصارعة وجمعهم على طاولة الحوار الأخوي تاكيدا لمبدأ انسجام القيم وتلاحم اللحمة العراقية وتدعيم قوى الاعتدال العراقي وحلحلة الصراعات الاثنية والطائفية ووضع اجندة متكافئة للاصلاح السياسي بين اقطاب الكتل الفائزة في الانتخابات الاخيرة لتحديد ما يمكنا لقيام به في الفترة اللاحقة... .ورغم ما تناغمت عليها الحكومات العراقية المتعاقبة ما بعد 2003 من تعطيل بعض بنود الدستور العراقي كقانون النفط والغاز والمادة المتعلقة بمدينة كركوك والمناطق المحيطة بها لعودة المناطق المستقطعة الى أحظان الاقليم الكُردي استنادا على الوثائق التاريخية الموثوقة كاحصاء عام 1957 في كركوك بحيث سجل الوجود الكوردي اكثرية ساحقة في كركوك بجانب وجود القوميات الاخرى كالعرب والتركمان والاشوريين..
واخيرا نقول: أن الزيارات المكوكية الدولية الناجحة لكل من رئيس اقليم كُردستان نيجيرفان بارزاني ورئيس وزراء حكومة كُردستان مسرور بارزاني ربما قد يفسره البعض (قصدا ولتشتيت الهدف؟؟) أن هذه التحركات الكُردية الرسمية الاخيرة على مختلف المستويات والاصعدة الدولية لجوء دبلوماسي (معناه الضعف !!) في حين يجب القول والاعتراف بان جميع ملفات الشرق الاوسط بما فيها الملف ا لكُردي الحساس جدا في حاجة كبيرة لقدر كبير من الحنكة والدبلوماسية كما نراها الان كفن من فنون ادارة قواعد اللعبة السياسية. لهذا فكل ما يفرض في العراق الجديد بعكس ارادة و توجهات الشعب الكُردي يعتبر (مولودا سياسيا مشوها في صيرورته ومسيرته التاريخية) ولا يرتقي الى مستوى لحظات التحول أبدا؟.
مشاهدة 1534
|