مئة عام مضت على تأسيس الدولة العراقية الحالية. مئة سنة من الهم والغم لم تحمل في طياتها واحداثها الحزينة الدامية للشعب الكردي غير العزلة والحيرة والتهجير وعمليات الانفال والاسلحة الكيمياوية وابادة آلاف القرى والالتباس السياسي واصدار البيانات الحماسية وفقاعات الوعود الكاذبة على ألسنة المفاوضين كبلاغة لغوية؟ والدولة العراقية لم تزل ماضية في تعنتها واصرارها وعدم انتهاج طريق الاصلاح والمصالحة والبناء تحت سقف واحد وفي دولة واحدة ولحمة واحدة والبحث بكل جد عن الحلول الجذرية والواقعية لحل هذه القضية الوطنية المتداخلة التي أصبحت عصية للحل دون مبرر معقول في أروقة السياسة العراقية وداخل النسيج العراقي بين أبناء البلد الواحد وعدم الجلوس على طاولة مستديرة بنية صافية بعيدا عن الاجندات الاقليمية والخارجية ومنطق التهديد والوعيد وابراز صورة السلطة دائما في بغداد كأنها فقط آلة لممارسة القوة والجبروت ضد أبناء شعبه في أبهى حلة لهم ؟ بحيث على المطالب الكردية شاءت أو أبت حتى ولو كانت مشروعة وتمثل ارادة شعب مقهور تواق الى الحرية و العيش بسلام عليها ان ترضخ و أن تخصع لقوة المركز وارادة الساسة في عاصمة الرشيد وفي كل مرة وعصر تحت ذريعة معينة؟ مرة بذريعة حماية الدستور وفرض القانون ومرة بحجة ضرورة عودة السلطة المركزية الى ربوع الوطن ومرة باتهام الشعب الكردي بالطواطؤ مع الاجنبي واخرى باسم القضاء على حركة التمرد في شمال الوطن!!؟ مع الاسف وكلها أمثلة مهزوزة لموالات واحداث المئة سنة الماضية؟؟ الكردي دائما في دائرة الخطر وأمامه عبارة: لاصوت يعلو فوق صوت المعركة؟!! كنمط للتعامل مع شعب كردستان هذا الجزء العزيز من جسد العراق الجريح بسبب جهل ساسته المتعطشين الى لغة العنف والدم فقط بدل الحوار الاخوى المستقيم( باستثناء النخب الوطنية ). ملامح الفشل في ادارة أمور البلاد على مدى قرن كامل ودون مراعاة التكوين العرقي والارث التاريخي والاجتماعي والجغرافي للشعب الكردي المغدور؟
قتل إمريء في الغابة جريمة لاتغتفر
وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر ؟
كما رأينا في صفحات العهد الملكي ثم الجمهوري ومرورا بأنظمتها السياسية المتعاقبة التي جاؤوا عن طريق الانقلابات والمؤامرات والبيانات العسكرية والقطارات الانكلو غربية؟ كما ترويها لنا مذكرات القادة الذين شاركوا في رسم هول الاحداث الماضية التي صعقت العراقيين ودمرت حياتهم وأذاقتهم الامرَّين بكل تناقضاتها سياسيا وفكريا ونفسيا وقوميا وآيديولوجيا وما أسفر عن ذلك من صراع دموي وسياسي مرير بين أركان الدولة العراقية ومطالب الشعب الكردي في هذه البقعة الجميلة من أرض العراق . نزاع طال أمده بين السلطة المركزية والاحزاب الكردية بحيث أحرقت هذه الخلافات وهذا الواقع المؤسف بكل تفاصيله المؤلمة الاخضر واليابس وأحدث معاناة وشرخا كبيرا في نفوس المواطنين الاكراد بسبب هول ماجرى وما ارتكب من تجاوزات. جروح لم يندمل ولايمكن تجاوزها بسهولة وإن تراكمت الشعارات الطنانة والخطب الرنانة لاستمالة قلوب الاكراد كما حدث سابقا ويحدث حاليا وبكل أسف؟ مع هذا لم تمارس القيادات الكردية تصرفا سياسيا مشينا بسبب ماجرى وما يجري في عراق هذه الايام من تنفيس للأحقاد الى اختراق خارجي لداخلهم وتوظيفها في الاستقطاب الاقليمي لانهم ( أي الشعب الكردي)لم و لايسعون أبدا الى قطع اوصال بلدهم العراق كما أكد على ذلك دائما الزعيم والسياسي الكردي المخضرم مسعود بارزاني بقوله ( بغداد تبقى عاصمتنا ونحن شركاء واخوة في هذا الوطن) وكانت كوردستان ولاتزال ملاذا آمنا للكثير من العراقيين العرب الهاربين من بطش الارهاب ورعب الفتنة الطائفية.. إنّ الصراع من أجل القوّة ظاهرة شاملة زماناً ومكاناً، وإنّ التجارب الطويلة على مدى التأريخ أثبتت هذه الحقيقة... يقول موسوليني (التأريخ من احسن الاساتذة لكن طلابه من أسوأ التلاميذ ) ... وليس ثمة مَن يستطيع أن ينكر أن جميع الدول على إختلاف أوضاعها الإجتماعية والإقتصادية والسياسية قد التقت في جميع الأزمنة والأماكن على الصراع من أجل القوة.. إن المسألة القومية والمطالب القومية ظاهرة تاريخية صحية تمتلك سيرورتها وصيرورتها التاريخية الممتدة سياسيا في شتى الاشكال وبالتالي فان كل حدث له بداياته ومساراته التي تحدد بشكل أو بآخر آفاق ومديات التطور المرحلي وفق المجريات المرئية . أن مصير الشعوب في المرحلة القادمة سيكون رهينا بالتغير الذي يطرأ على مقدرات القوة في المنطقة لذا حاولت بعض الدول معالجة الاعتراف بالحقوق القومية المشروعة لكافة الاجناس والاطياف بطريقة تحاول قدرالاستطاع أن تخفف من تداعياتها و سلبياتها وان تحد من آثارها المؤذية للسلام والأمن الداخلي في حالة انكار هذه الحقوق .والذي يخصنا هنا المسألة القومية الكردية في العراق كظاهرة تاريخية مرتبطة بالواقع بكل تناقضاته وصراعاته. وبالتالي فإن النضال من أجل رفع الغبن القومي عن الشعب الكردي من أجل التحرر والمساواة في الحقوق الواجبات، يواجه تعنتا غير شرعي وراءها ترسانة من القوانين والأفكار المتعلقة باجندات الدول الاقليمية التي تحاصر العراق وتتحسس جدا أمام النجاحات الكردية في المنطقة وبالاخص في اقليم كردستان العراق لكن ووفق هذه الأسس ينبغي تجنب الإرادوية أو الرغبة الذاتية في اختيار الشعارات حول مسألة تتعلق بمصير الملايين من البشر. فالإمتداد التاريخي للمسألة الكردية وتطورها الراهن يحتمان طرح الحلول طرحاً يراعي فن الممكن وتوازن القوى، بحيث يمكن أخذ حقوق أساسية ضمن إطار مساواتي، دون إثارة حفيظة الآخرين. ويجري هذا الأمر في إطار توازنات داخلية وإقليمية ودولية. لذا وكحراك دبلوماسي نشط قامت حكومة اقليم كردستان بتوسيع ساحات نشاطها الدبلوماسي عن طريق مهادنة بعض الاطراف العراقية وتخفيف اجرءاتها تجاه البعض الاخر مع المحافظة على صداقة الدول الاقليمية و العربية خاصة التي تتبنى في سياساتها الخارجية استراتيجيات ثابتة في رؤيتها للعالم كالمملكة العربية السعودية ودولة الكويت والمملكة الاردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية والامارات العربية المتحدة ودولة قطر والبحرين .
وفيما مضى كانت زيارات الرئيس مسعود بارزاني ورئيس اقليم كردستان نيجيرفان بارزاني ورئيس حكومة كردستان مسرور بارزاني لهذه الدول الشقيقة ارساء لقواعد العمل الوطني واثباتا لهذه المعايير الاخوية بين الشعبين العربي والكردي..وهكذا نجح الخطاب الكردي في مد قوس نفوذها من بغداد الى العالم العربي وبعض البلدان الاوروبية ونحو تركيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الامريكية الدولة الكبيرة والوحيدة تقريبا التي تحكمت في السياسة الدولية في الفترة التي أعقبت انهيار المعسكر الاشتراكي . ومن جانب آخر تعد القضية الكردية من أصعب المسائل التي واجهت العراق على المستويات السياسية والاجتماعية، فهي ومنذ ما يزيد على نصف قرن باتت مجالاً للاستنزاف استمرت وتائره حتى وقتنا الراهن بسبب طبيعة الأنظمة السياسية المتعاقبة من جانب ونتيجة لتعدد الاتجاهات الفكرية المصحوبة بالتعددية القومية والعرقية والطائفية. من جانب آخر نرى انه كلما تطور العالم من الناحية التقـنية ومن حيث المساواة واحترام حقوق الإنسان وتطبيقات الديمقراطية تدخل هذه القضية في اشكالات قوامها التناقض والذاتية وقصر النظر ومحاولة بطش المطالب المشروعة لهذا الشعب بالقوة حتى بات من الصعب على المواطن الكردي التفكير بالاتجاه الذي يضمن به وطنيته وقوميته بعيداً عن أساليب الدمار التي ابتليت بها المنطقة بحيث أحس مأساتها عموم الشعب العراقي على حد سواء، وهذه أي القضية الكردية مشكلة لم تكن حديثة في الواقع وبذور الصراع في جوانبها قد بذرت بعد تأسيس الدولة العراقية بفترة قصيرة رغم أن الحكم الملكي استطاع تأجيل الصراع ( بشكله المسلح ) لكن المسـؤولين فيه وبينهم الضباط و القادة السياسيين البارزين في العراق لم يجدوا حلاً دائماً للقضية الكردية ولم يأخذوا بالاعتبار حقوق الأكراد ومستقبلهم الآمن في العراق ،بالإضافة إلى عوامل التخلف ومصالح الآخرين، الأمر الذي انعكس سلباً على احتمالات إيجاد الحلول المناسبة لها وعلى مستويات تعقيداتها التي ازدادت حدة مع تقادم الزمن، وليس المقصود من الدعوة الى العقلانية وفهم التوازنات، تحميل الأمة المظلومة أو القومية التي انتهكت حقوقها، وزر تداعيات الوضع الذي آل إليه البلد بسبب السياسات الشوفينية للانظمة الحاكمة التي بررت قمعها وبطشها للقوميات بحجة حماية مصالح الأمة السائدة. ولان الحركة الكردية كأية حركة وطنية في العالم الثالث بدأت واستمرت بالاتكال على نفسها مالياً وسياسياً وتسليحياً،فإن الخسارة الحقيقية بين جوانبها تلك الدماء الغزيرة التي أريقت والأموال الكثيرة التي بددت والحقوق الأساسية التي هدرت والمعاناة الشديدة التي أحسها الشعب الكردي وعموم العراقيين عبر أكثر من نصف قرن من الزمن.مع هذا فان الربح المضمون في حلها هو بناء مجتمع تسوده العدالة والمساواة ينعم فيه الجميع بالأمن والرفاهية والاستقرار بعيداً عن الطائفية والعنصرية وعن النوايا والمخططات الغير نزيهة.
مشاهدة 1747
|