رغم أن الكلام العشوائي الذي نسمعه من نواب وقيادات الأحزاب الكوردستانية غير المشاركة في حكومة الإقليم، لا يغادر مربع التسقيط السياسي ونشر الإرباك وتعطيل المشهد والحياة السياسية، لأنه كلام مليء بالنقد غير البناء، وبعيد عن طرح البدائل عبر القنوات القانونية والدستورية ولايكشف أوراق ونظرة أصحابه للسلطة، ويقدم نفسه على الدوام بأنه صاحب المشروع الوطني القادر على مواجهة التحديات وحل كل المشكلات. وهو محاولة يائسة لتقديم (البعض) كمصلحين وواعظين وطنيين، وكأوصياء الصواب السياسي، وتعبير واضح عن السعي المحموم لتعزيز الحظوظ وإستقطاب أصوات الناخبين من خلال رسم خرائط وهمية لتحالفات محتملة لخوض الانتخابات التشريعية المقبلة في كوردستان. ورغم ما يحمله من شوائب الفكر السياسي، إلا أنه أفضل بكثير من كلام بعض نواب أحزاب كوردستانية مشاركة في حكومة الإقليم، يحاولون خلط الاوراق في سبيل التمتع بإمتيازات السلطة وممارسة المعارضة معاً في سبيل نفوذ ومصالح وطموحات شخصية وحزبية ضيقة.
تكمن مشكلة الفئة الثانية (أي بعض نواب أحزاب كوردستانية مشاركة في حكومة الإقليم) في انّهم لا يجيدون سوى الكلام الكثير الذي يثير الازدراء والنقمة ويغذي الكراهية ويمزق التعايش، ولاعلاقة له بالواقع وما يدور في أروقة حكومة الإقليم وعلى أرض كوردستان وما يجري في المنطقة والعالم. فلا هم قادرون على إستيعاب معنى المشاركة في الحكم والمحافظة على العلاقة مع الأحزاب الاخرى المشاركة معهم، ولا هم قادرون على إختيار المعارضة لكي يكون الرابط الوطني عندهم فوق الرابط السياسي. لذلك، يحاولون إيقاع البسطاء في فخ الوهم والدعاية المضللة وجعلهم ضحايا للتشويش الرخيص في زمن يطغى فيه الشك على اليقين، ويحاولون توتير الأجواء وبثّ الشائعات المغرضة، وإرساء معادلة سياسية عجيبة لا تستقيم مع الروابط والقيم الوطنية وروعة التسامح والألفة والدفء الاجتماعي. ولا يدركون إستحالة الجمع بين المشاركة في الحكم والتمتع بإمتيازات السلطة وممارسة المعارضة.
أما المواطن الكوردستاني الذي يتمتع بذهنية ذكية وعقلية مستنيرة ونفسية نظيفة، والبعيد عن آفات التعصب والانغلاق، فقد إختبر مصداقيتهم في تجسيد شعاراتهم الرنانة، التي رفعوها سابقاً، ويروجون لها حالياً، وشاهد سقوط أوراق التوت عنهم في أحلك الظروف، سواء حين وصول داعش الى أطراف أربيل، أو بعد إنقلاب حيدر العبادي على الدستور وإستيلائه على كركوك وأجزاء من المناطق الكوردستانية بقوة السلاح والدعم الأجنبي، أو خلال تعامل بعض الأحزاب الشيعية مع المشهدين السياسي والإقتصادي بعقلية السيطرة والإقصاء للكورد، وخلال السباق المحموم للطبقة السياسية الحاكمة التي رسمت برنامجًا غير معلن لما سموه (إقليم شمال العراق) أو (محافظات شمال العراق) في سبيل السيطرة على كل المفاصل وجني المكاسب السياسية والمادية اللامشروعة وتدمير الإقليم وإلغاءه بالكامل. كما إنه يدرك جيداً، ولله الحمد والشكر، أن السلوك السياسي السيىء للمعادين لحكومة الإقليم وشعب كوردستان والمبررات غير الأخلاقية تهدف الى تنشيط وترسيخ ظاهرة العداء لكل المنظومة القيمية الكوردستانية. وهو امتداد طبيعي للسياسات التي لا يجنى منها أحد سوى ديمومة الانقسام والصراع، ويعلم أن هذه الظاهرة تدل بكل بساطة على غياب القيادة السياسيّة لهؤلاء، لا أكثر ولا أقلّ.
مشاهدة 1297
|