ZNA- أربيل يحتل العراق المرتبة العاشرة لأكثر 10 دول تلوثًا في العالم بحسب بعض التقديرات. فقد أظهر فحص الجسيمات الصغيرة الضارة المحمولة في الجو والمعروفة باسم الجسيمات المعلقة 2.5 (PM2.5) بأنها تصل إلى 39.6 ميكروغرام لكل متر مكعب في البلاد. وهذا رقم خطير في وقت توصي فيه منظمة الصحة العالمية بألا يتجاوز متوسط تركيزات PM2.5 الـ 5 ميكروغرام/متر مكعب، في حين تقول وكالة حماية البيئة الأميركية إن المستويات الأعلى من 35.5 ميكروغرام/متر مكعب يمكن أن تتسبب بمشاكل صحية خطيرة.
إن نوعية الهواء الرديئة في العراق ناتجة عن انبعاثات المركبات، والتلوث الناجم عن الحرب، واستخدام المولدات للتزود بالطاقة بسبب البنية التحتية الكهربائية السيئة، والحرائق الناتجة عن مصافي النفط والغاز. وفي حين صادق العراق على اتفاقية باريس للمناخ ولديه قوانين تقيد التلوث، إلا أن السلطات لم تفعل الكثير للحد من التلوث على نطاق واسع على أرض الواقع. ومع ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان والأمراض النادرة الأخرى، أخذ الكثير من العراقيين زمام المبادرة وقرروا التدخل للحد من التلوث البيئي بأنفسهم.
مصادر التلوث
صناعة النفط الضخمة في العراق هي السبب الرئيسي للتلوث في البلاد، بحسب خبير تلوث الهواء حازم الربيعي. وذكر الربيعي أن الحكومة كانت تسعى من دون هوادة لزيادة إنتاج النفط، من دون وضع ضمانات مناسبة لتقليل التلوث. وكان النمو في قطاع الطاقة مذهلًا في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. ففي الواقع، تضاعف إنتاج العراق من النفط تقريبًا من حوالى 2.5 مليون برميل يوميًا في العام 2010 إلى أكثر من 4 ملايين برميل يوميًا في العام 2021.
وناقش الربيعي الطرق شديدة التلوث المستخدمة في العراق لاستخراج البترول ومن بينها ممارسة الحرق المثيرة للجدل التي تتضمن إحراق الغاز الطبيعي الزائد أثناء استخراج الزيت وقد ارتبطت هذه الممارسة بالربو وأمراض الرئة والجلد والسرطان. على هذه الخلفية، لا ينبغي التقليل من حجم هذه القضية إذ يعد العراق اليوم ثاني أسوأ مسؤول في العالم من حيث انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري جراء عمليات الحرق.
وكانت المنظمات غير الحكومية المحلية في طليعة المنادين بإنهاء الاعتماد على الحرق واعتماد ممارسات أكثر صداقة للبيئة في قطاع الطاقة. ومن بين هذه المنظمات تحالف الشفافية في الصناعات الاستخراجية، الذي أصدر توصيات للحكومة لقياس الآثار البيئية والصحية لاستخراج النفط بدقة وتقليل ممارسة حرق الغاز.
ولدى العراق قانون حماية البيئة وتحسينها الذي أصبح ساري المفعول منذ العام 2009 ويهدف إلى الحد من عمليات الحرق وغيرها من مصادر التلوث. لكن الربيعي قال إن التشريع غير فعال لأنه لا يفرض إجراءات عقابية صارمة ضد الملوثين الرئيسيين. وأوضح أن غرامة مخالفة القانون هي فقط مليون دينار عراقي أي ما يعادل 683 دولارًا أميركيًا وعن الانتهاكات المتتالية 20 مليون دينارًا عراقيًا أي حوالى 13763 دولارًا أميركيًا، متسائلًا: "كيف يمكن لكيان نفطي ينتج ما تصل قيمته إلى مليارات الدولارات ... أن يُعاقب بغرامة لا تتعدى العشرين مليون دينار عراقي؟"
وأدت الحرب ضد تنظيم داعش إلى ظهور جيوب شديدة التلوث في العراق. فخلال القتال الضخم بين عامي 2014 و2017، لحقت أضرار بمصافي النفط وخطوط الأنابيب والبنية التحتية الأخرى ذات الصلة بالطاقة، ما تسبب في تشكل سحب كثيفة من الدخان حولت النهار إلى ليل. وبعد سنوات، لا يزال السكان يعانون من هذا التلوث، حتى مع قيام برنامج الأمم المتحدة للبيئة بعمليات تنظيف في المنطقة.
يعد تغير المناخ تهديدًا خطيرًا آخر للاقتصاد والمجتمع في العراق، حيث يساهم ارتفاع درجات الحرارة والجفاف في التصحر. ووفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، يفقد العراق اليوم حوالى 25000 هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة سنويًا بسبب التصحر. ومن المتوقع أن تصبح أجزاء من البلاد غير صالحة للسكن خلال العقود المقبلة.
في ظل هذه الخلفية، استبعد الربيعي أن يكون العراق قادرًا على الوفاء بالتزاماته تجاه اتفاق باريس للمناخ للمساعدة في الحد من الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية. وألقى باللوم في ذلك على العوامل السياسية فضلًا عن القدرة الاقتصادية المحدودة على الأرض للانتقال إلى الطاقة الخضراء. في المقابل، اعتبر أن انضمام العراق إلى الاتفاقية سيكون له بعض الفوائد للبلاد، وشرح ذلك قائلاً: "تكمن أهمية الاتفاقية في ما سيقدم من تدريب للعراقيين، ومساعدات مالية لتنفيذ بنودها، وتقنيات مفيدة للبيئة".
تكاليف التلوث
تقدر منظمة الصحة العالمية أن حوالى 7 ملايين شخص يموتون كل عام بسبب التعرض لجزيئات دقيقة في الهواء الملوث تخترق الرئتين ونظام القلب والأوعية الدموية، مسببة مجموعة متنوعة من الأمراض. وقال وليد الموسوي، مدير عام دائرة حماية وتحسين البيئة في المنطقة الجنوبية في العراق، إن مدينة البصرة وحدها فيها ألفا حالة إصابة بالسرطان سنويًا تعزى إلى هذا التلوث.
وانتقد قاسم المشاط، وهو ناشط بيئي من محافظة البصرة، طريقة تعامل الحكومة مع الأزمة في مسقط رأسه. وأشار إلى أن البصرة ملوثة بشدة جراء حرق النفايات وإلقاء النفايات في أنهارها، الأمر الذي أدى إلى نقل مئات الآلاف إلى المستشفيات بسبب أمراض متعلقة بالمياه في العام 2018.
ووفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، فإن ما عجّل بأزمة المياه التي استفحلت في العام 2018 في المدينة الواقعة جنوب العراق هو "إخفاقات السلطات المتعددة في حماية موارد البصرة المائية". وقالت المنظمة الحقوقية إن الممرات المائية في المنطقة "مليئة بالملوثات من المخلفات البشرية والحيوانية والصناعية والزراعية". ويأتي ذلك في وقت قدرت فيه الأمم المتحدة أن 70 بالمئة من نفايات العراق الصناعية تلقى مباشرة في الأنهار أو في البحر.
وقال المشاط، إن الحكومة "متواطئة" مع شركات النفط في إحداث التلوث في البصرة. وأوضح في هذا السياق أن الناشطين المحليين ومنظمات المجتمع المدني يأخذون زمام المبادرة في معالجة الأزمة من خلال غرس الأشجار والحفاظ على مياه الأنهار والجداول وعقد ورش عمل وندوات تهدف إلى زيادة الوعي البيئي وتقليل تأثير الملوثات على صحة الإنسان.
في الواقع، إن تقاعس السلطات عن القيام بواجباتها تقابله جهود من المنظمات غير الحكومية في العراق تسعى إلى رفع مستوى الوعي حول القضايا البيئية وتقييد الممارسات المسببة للتلوث بما في ذلك مجموعات مثل منظمة طبيعة العراق وحماة المياه في العراق وكذلك حملتا إنقاذ نهر دجلة وإنقاذ نهر الفرات. وعلى الرغم من أن عمل هذه المنظمات قد يكون أقل مما يحتاجه العراق، إلا أنه يقدم بصيص أمل في أن البلاد سوف تتغلب على التحديات البيئية الهائلة بما في ذلك تلك التي يفرضها تغير المناخ.
مشاهدة 1306
|