في معمعة الانتخابات العراقية البرلمانية، وفي الوقت الذي فيه كل مرشح يعارك حيناً، ويستنكف حيناً آخر، فاجئ كاك مسرور رئيس حكومة كُردستان الجميع، العرب، وقبلهم الكُرد، دون استثناء، بتوجيه خطابه إلى عموم العراق باللغة العربيّة، ولعل سبب المفاجأة يعود إلى إنّه وللمرة الأولى المجتمعات العراقية تسمع خطاباً من كاك مسرور (مع حفظ الألقاب) خطاباً يدعو فيه الى الشراكة بلغة الضمير العام، وهذا يعني الكثير، وله دلالات كبيرة، أهمها:
- مشاطرة عموم العراق للوصول إلى المخرجات، لانتخاباتٍ ترتقي إلى مستوى الطموح، وتناسب التضحيات العراقيين، والحق إنّ الطموح الكُرديّ في المسألة الإنتخابية لا يبتعد كثيراً عن الضمير العام العراقي، لأن المطلب العراقي العام يتمحور بتصميمه حول لب الدستور وتطبيقاته، اضافة الى مسائل مثل التنمية وحفظ الكرامة عبر الحفاظ على حقوق الإنسان، وتعزيز روح التشارك، أو الأصح المشاركة السياسية الحقّة، ومن المؤكد فإنّه ثمة كثيرون من العراقيين يريدون تطبيق الدستور بحذافيره، والمادة 140 ضمناً على الأقل، وذلك طبقاً للقول إن "الشعب الذي يستعبد شعباً آخراً فهو ليس حراً".
- الإيحاء بالتعامل الجدي لهذه الإنتخابات، وهو ما يعزز أهمية العراق ككل لدى الإقليم وأهمية الحراك المجتمعي، ومطالب هذا الحراك الذي كان له ضحايا جمّة في هذه العملية الديمقراطية والتي من المؤمل بأن تحرّر العراق من وطأة الإستبداد، وتعزيز روح السلطة السيدة في مفاصل الحكم، بحيث تكون قادرة على إدارة الناس ومصالحهم، وحماية كرامتهم كمواطنين فاعلين في الحياة العامة.
- دلالة خطاب رئيس الحكومة، هي مخاطبة الضمير العام العراقي، انطلاقاً بلغتهم، ما يعني ثمّة الرهان على العقل الجمعي العراقي لإحياء مكمن التعايش وربط المصير نحو حياة حرة، ومستقبل عزيز.
فمن يراقب الوضع الإنتخابي وشكل الإنخراط العامودي والأفقي في كُردستان العراق يلاحظ إنّ الشراكة الحقيقية باتت همّاً ومطلباً مُلحاً، واستحقاقاً وطنيّاً (محلياً، وعلى مستوى المركز)، وتبيّن من خلال الانخراط الفعلي والحرامي على مستوى كاك نيجرفان رئيس الاقليم، ورئيس الحكومة، اضافة الى المسؤولين الاخريين في الحكومة يعني انّ هناك ارادة فعلية تعمل لتهيئة موجبات عمل الديمقراطي لا تقف في حدود المناداة بالبرامج الإنتخابية لمرشحي البرلمان، انما أبعد من ذلك، خاصةً إن هذه الإنتخابات هي الأولى بعد الحراك المجتمعي، ويوحي هذا الانخراط رجال الدولة بأن المناسبة وطنية أبعد من برامج انتخابية اي هو لتعزيز مطالب الناس والعمل لأجله بأضعف الايمان؛
ومن هنا نوه كاك رئيس الحكومة على إنّهم لا يقاربون المسألة كحكام إنّما كمواطنين فاعلين إسوةً بغيرهم من أصحاب المطالب، وهي مطالب تخص مستقبل الأجيال.
انّ التصميم لمشروع الإنتخابات في إقليم كُردستان يرتقي إلى تصميم البرامج الإنتخابية الديمقراطيّة، حتى على مستوى لحظات المنافسة بين التيارات الحزبية ومرشحو البرلمان، ما يبدو للمتلقي انه ثمّة الإحساس من قبل المسؤولين الكُردستانيين بالروحية المسؤولة، وانّ المعركة مفصلية.
ولا نستغرب، فإنّ ما هو همٌّ الخاص يمكن معالجته في اطار الهم العام، وهذا ما أوحي إلينا على الأقل بإن مسؤولي الإقليم في كُردستان ترجموه بمهارة ديمقراطيّة عالية بدءاً من اختيار ممثلي الإقليم في البرلمان، اذ لا تجد اللمسات لها بعد ضيق فهناك تزكية والرعاية لمرشحين حتى عرب في مناطق سهل نينوى، فضلاً عن التنوع الثقافي ومن الخلفيات المجتمعيّة المتباينة، وانتهاءً الى الرهان على الضمير العام المؤدي في النهاية الى بلورة دولة الشراكة الفعلية.
بقي القول، انه، وفي هذه الإنتخابات ثمّة رهاناتٌ كبيرة على نقل العراق من سكة الى سكة عراق قويّ، وفاعل في الحيّز الاقليمي، ومستجيب لتطلعات ناسه على مستوى الافراد والجماعات، وذلك لعدد من الإعتبارات، الأولى مسألة تعزيز العراق كدولة ترعى الشراكة القومية والمجتمعية ومصالح مواطنيها، لا أن تدافع عن مصالح الغير على حساب النسيج المجتمعي وطنيّاً، وثانياً التعامل الحق مع مضامين دستوره وتاليّاً العمل لأجل المباشرة في تطبيق ما غُض النظر عنه من قبل الحكومات المتعاقبة، ثالثاً تحديد اختصاصات الحكم والأدوار والقيام بواجبات الدولة تجاه المواطنين أولًا، وموظفي الدولة ثانياً، والأهم هو نقل العراق من مكان الإستقطابات الاقليمية إلى عراق يرعى مصالح ناسه وتعزيز مفهوم "لامركزية الدولة" بشكل حقيقي وفعلي بحيث يحقق شرط الحريّة، والسؤال، هل ستنتج الإنتخابات العراقية مرحلة تليق بالحراك المجتمعي وطموحات المجتمعات ولاسيما طموحات الإقليم من العراق المستقبلي؟
مشاهدة 1717
|