بينما اتفقت كل من إسكتلندا وانكلترا على توحيد المملكتين لتشكيل المملكة العظمى في الاول من أيار 1707م بعد مفاوضات معمقة بين برلمانيهما، تم الحاق الجزء الجنوبي من كوردستان والذي كان يضم معظم ولاية الموصل الى المملكة العراقية بعد أكثر من قرنين من قيام المملكة المتحدة، وتحديدا بعد الاتفاق مع تركيا عام 1926م، حيث وعدت الحكومة العراقية والبريطانية الكورد بمنحهم حقوقهم السياسية والثقافية لموقفهم الذي أيدوا فيه انضمام ولاية الموصل الى مملكة العراق في استفتاء عصبة الأمم، ورغم تلك الوعود الا ان ما حصل في واقع الحال بعد اكتمال مملكة العراق وترسيم الحدود مع تركيا، كان مجرد عمليات تسويف وترقيع تطور فيما بعد الى سلسلة قاسية ومريرة من الحروب المدمرة والاضطهاد العنصري الذي صاحبته عمليات إبادة جماعية وتغيير ديموغرافي قومي حاد تعرضت له معظم مدن الحدود الداخلية لكوردستان بدءاً من سنجار ومرورا بالشيخان ومخمور ثم كركوك وانتهاءً بخانقين ونواحيها وبقية البلدات والقرى التي تم تهجير سكانها وتوطين آخرين تم جلبهم من جنوب ووسط العراق ليحلوا محلهم.
ولكي لا نخوض غمار تاريخ مؤلم وتفاصيل جارحة على مدى اكثر من مائة عام، نرحل بسرعة الى قرار برلمان وحكومة كوردستان في 25 أيلول 2017م لاجراء الاستفتاء بعد أن تعرض الاقليم الى حرب غير معلنة وحرمانه من حصته في الموازنة السنوية العامة لخمس سنوات كاملة (2014-2018) والبالغة قرابة خمسون مليار دولار، حيث واجه فيها الإقليم حصارا خانقا، خاصة وان تلك السنوات كانت في معظمها حربا ضروس مع واحدة من اعتى قوى الإرهاب في العالم قديما وحديثا، حيث تركت الحكومة الاتحادية قوات البيشمركة تواجه مصيرها لوحدها دون أي امداد عسكري او فني او مالي، ولولا تجربتها النضالية التاريخية بالقتال والصمود ومساعدة التحالف الدولي وايران لما استطاعت من تحطيم اسطورة الخوف لداعش وتحرير سنجار ومخمور وحماية الإقليم وكيانه السياسي من الاحتلال.
هذا الاستفتاء الذي جرى ذاته في إسكتلندا قبل ثلاث سنوات من اجرائه في كوردستان وتحديدا في أيلول من عام 2014م، ذلك الاستفتاء على حق تقرير المصير الذي اقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1961م والذي يُعرف سياسيا ومهنيا بأنه عملية تعبير عن الرأي في قضية محددة بأسلوب سلمي حضاري، وبينما تهافت زعماء بريطانيا العظمى على أدنبرة عاصة الإقليم محاولين اقناع قادته بالعزوف عن قرارهم بوعود لحل المشاكل ومنح صلاحيات أوسع للإقليم دونما تهديد او وعيد او تجيش للعسكر والميليشيات، نفذ الاسكتلنديون استفتائهم الذي أظهر إن اكثر من نصف الناخبين ارتضوا في هذه المرحلة البقاء ضمن الجسد البريطاني، وفي المقابل كانت النتيجة في كوردستان معاكسة تماما حيث اختار اكثر من 92% من ناخبي الإقليم الاستقلال عن العراق!.
وبمقارنة بسيطة بين الفعلين وردود الأفعال تجاههما من قبل بريطانيا والعراق نرى البون شاسعا بين السلوكين والفرق رهيبا بين تفاعل البريطانيين مع قضية استفتاء واستقلال اسكتلاندا وبين ما ذهب اليه قادة العراق من ردود أفعال كارثية أدت الى اعلان حصار خانق على كوردستان وشعبها بالتعاون مع كل من ايران وتركيا في محاولة لأسقاط كيان الإقليم، حيث شنت القوات المسلحة العراقية والحشد الشعبي هجمة شرسة بمساعدة إيرانية وتركية اجتاحت فيها المدن والقرى الكوردستانية خارج إدارة الإقليم والمعروفة بـ (المتنازع عليها) والتي نظم الدستور اعادتها الى أحضان الإقليم بالمادة 140، حيث باشرت تلك القوات بإعادة عقارب ساعة التعريب والتهجير والتشويه الديموغرافي الى ما كانت عليه أيام حكم البعثيين، بل ان تلك القوات شنت هجومها في ثلاث محاور في التون كوبري ومخمور وسحيلة لاحتلال عاصمة الإقليم ومحافظة دهوك ولولا الصمود والقتال الشرس الذي خاضته قوات البيشمركة واسناد المواطنين وبقية مؤسسات الإقليم لوقعت كارثة في حرب أهلية لا يعلم نتائجها الا الله.
واليوم وبعد أربع سنوات من تلك العملية وبمقارنة سريعة في ردود الأفعال لاستفتاء اسكتلندا وكوردستان ندرك ما كنا نفتقده من حضارة سياسية وإنسانية مدنية في التعاطي مع ابسط حقوق الانسان وتعبيره عن رأيه تحت ظلال قاتمة لدكتاتوريات بغيضة ترتدي رداء الديمقراطية العرجاء المشوهة المحكومة بالعقلية الاقصائية والشمولية وأذرعها الميليشياوية المؤدلجة.
مشاهدة 1672
|