ZNA- أربيل من الأمل إلى الحرب ومن الأحلام إلى اليأس، ترك العقد المضطرب في جنوب السودان منذ الاستقلال الدولة الفتية أكثر هشاشة من أي وقت مضى يمزقها عدم الاستقرار السياسي والعنف والجوع.
في منتصف ليل التاسع من تموز/يوليو 2011، انطلقت الاحتفالات مع ولادة الدولة الجديدة وصفق شعب جنوب السودان ورقص مع إعلان نهاية نزاع دموي طويل خاضه من أجل إقامة دولته.
يقول واني ستيفن إلياس "كان فجرا جديدا وشيئا يشبه المعجزة"، مستذكرا الفرحة عندما لوح المحتفلون بعلمهم الوطني الجديد في شوارع العاصمة جوبا محتفلين حتى طلوع الفجر.
لكن التفاؤل الذي طغى على حرب استقلالها المريرة عن السودان تبخر مع اندلاع حرب أهلية دامية بين قادة البلاد الجدد في عام 2013 استمرت خمس سنوات وأودت بحياة 380 ألف شخص وشردت أربعة ملايين، وحطمت أي أوهام بفتح صفحة جديدة.
ويقول إلياس (31 عاما) لفرانس بريس"رأيت أعظم الأيام وأكثرها سوادا".
ما زال القادة السياسيون الذين اختاروا الحرب على بناء دولتهم الوليدة، في السلطة اليوم، ويحكمون عبر تحالف هش تم تشكيله بموجب اتفاق سلام.
وأخمد تفاهم تقاسم السلطة بين الرئيس سلفا كير، القائد العسكري السابق لقبيلة الدنكا ونائبه رياك مشار، زعيم المتمردين من قبيلة النوير، نيران القتال بين قواتهما إلى حد كبير منذ وقف إطلاق النار في 2018.
لكن الأخوة الأعداء انتهكوا اتفاقات الهدنة السابقة، بينما تفاقم انعدام الثقة بين الطرفين مع تخلخل التقدم الذي أنجزته الصفقة.
وينتاب الضعف حكومة "الوحدة" التي شكلت في شباط/فبراير 2020 تحت ضغط دولي كبير، في حين لم يتم تنفيذ الإجراءات الضرورية الأخرى التي تهدف إلى تجنب حرب جديدة.
- "مأساوي للغاية" -
وتأتي حالة عدم اليقين السياسي في وقت يعاني جنوب السودان من أزمة اقتصادية حادة وتضخم متزايد وتصاعد العنف العرقي المسلح وأسوأ أزمة جوع منذ إعلان الاستقلال.
وقال كبير المحللين في مجموعة الأزمات الدولية آلان بوسويل "من الواضح أن جنوب السودان في مكان أسوأ مما كان عليه قبل 10 سنوات، وهو أمر مأساوي للغاية".
ورسم اتفاق السلام ملامح الطريق نحو أسس بناء الدولة التي خرجت عن مسارها بسبب الحرب، بما في ذلك إنشاء برلمان جديد وإصلاح دستوري وانتخابات وجيش وطني موحد. لكن بعد ما يقرب من ثلاث سنوات، لم يتحقق سوى القليل.
انعقد البرلمان الوطني في أيار/مايو ليس إلا، وسيؤدي النواب اليمين الدستورية الجمعة مع حلول ذكرى الاستقلال، بينما تكاد تكون الثقة معدومة بالمجلس الجديد جراء التأخر في التئام جلساته.
ويشير المدير التنفيذي لمؤسسة الديموقراطية والحوكمة المسؤولة جام ديفيد كولوك "أن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي ولكن.. نريد أن نرى التأثير".
ويضيف "نريد أن نرى انخفاضا في الفساد. نريد أن نرى ميزانيتنا تحت المراقبة. نريد أن نرى الخدمات تتحسن. نريد أن نرى الأمن مستقرا، وأن يكون هناك بيئة للحوار".
- فتيل انفجار -
ولم يتم إحراز تقدم يذكر في الإصلاح الدستوري في حين قد تؤدي الانتخابات التي كانت مقررة العام المقبل قبل أن تؤجل عاما إضافيا إلى زعزعة الاستقرار ما لم تتخذ ترتيبات لضمان مستقبل الخاسر.
ويقول بوسويل "إذا أصبحت الانتخابات مواجهة بين الطرفين المتحاربين الرئيسيين، فإن هذا وحده يمكن أن يكون كفيلًا بتفجر الحرب الأهلية مجددًا".
ومن العوامل الأخرى التي يمكن أن تشكل فتيل انفجار: الفشل في توحيد قوات كير ومشار المتنافسة في جيش واحد - وهي ضمانة مهمة في اتفاقيات السلام لكبح الصراع في المستقبل وتحقيق الاستقرار في المناطق الخارجة عن القانون في البلاد.
ويقول الرئيس المؤقت لـ"مفوضية الرصد والتقييم المشتركة"، وهي هيئة تراقب تنفيذ عملية السلام، تشارلز تاي جيتواي إن كلا الرجلين التزما بإرسال قواتهما لإعادة التدريب والتخرج، لكن تم إحراز "تقدم ضئيل للغاية".
وتفتقر العملية إلى التمويل وتعاني ثكنات القوات من نقص حاد في الغذاء والماء والأدوية، ما أدى إلى حالات فرار واسعة النطاق. ووصل سوء الحال في بعض المعسكرات إلى درجة وفاة جنود جوعا أو بسبب المرض.
وذكر جيتواي في 24 حزيران/يونيو الماضي أنه "من الواضح أن توحيد القوات توقف، وتدهورت الأوضاع في مواقع المعسكرات ومراكز التدريب بشكل ملحوظ".
- قتال ومجاعة -
وتعثرت عملية السلام حيث يعاني أكثر من سبعة ملايين جنوب سوداني - حوالى 60 في المئة من مجموع السكان - من نقص حاد في الغذاء.
ويوضح المدير المحلي لبرنامج الأغذية العالمي ماثيو هولينغورث أن البعض يواجه مستويات طارئة من الجوع في حين أن من يصنفون بالمستويات الحرجة وعددهم 108,000 "معرضون فعليا لخطر المجاعة في هذا الموسم الأعجف".
وأدت سلسلة من الكوارث الأخرى - الجفاف والفيضانات المدمرة للعام الثاني على التوالي وغزو الجراد بأعداد قياسية - إلى تدهور الظروف المتردية بالفعل في بلد يعتمد على المساعدات الخارجية لتقديم معظم الخدمات لشعبه.
وعلى الرغم من أن اتفاقيات السلام أوقفت أسوأ حالات إراقة الدماء، إلا أن الصراع المسلح بين الجماعات العرقية المتناحرة تصاعد في المناطق غير الخاضعة لسلطة جوبا، ما أدى إلى مقتل عدد غير مسبوق من المدنيين منذ الحرب.
وتؤكد الأمم المتحدة أن المليشيات العرقية مسؤولة عن أكثر من 80 في المئة من الضحايا المدنيين خلال هذا العام، فضلا عن الخطف والعنف الجنسي.
ويقول بوسويل "القاسم المشترك لكل هذا العنف أنه يحدث في دولة فاشلة".
مشاهدة 1888
|