ZNA- أربيل تسعى الولايات المتحدة حاليا لخفض تواجدها العسكري في منطقة الشرق الأوسط، حيث خفضت قوتها العسكرية في العراق وأعلنت عن سحب جميع قواتها من أفغانستان، من أجل التركيز على التهديدات التي تمثلها الصين وروسيا.
ويعتقد متابعون ومحللون أن مسعى واشنطن لتخفيض وجودها العسكري في المنطقة لن يكون سهلا، حيث ستعمل الميليشيات الموالية لإيران -خصم الولايات المتحدة اللدود- على عرقلة عملية الانسحاب، كما سيسمح الفراغ الأميركي لموسكو والصين بأن تطآ رمال الشرق الأوسط وتعززا نفوذهما في المنطقة، ما يعني أن سياسة مسك العصا من الوسط التي تريد إدارة جو بايدن انتهاجها ستكون بمثابة هدية ثمينة لخصومها.
وأشارت مايا كارلين، الباحثة والمحللة في مركز السياسة الأمنية بواشنطن، في تقرير نشرته مجلة ناشيونال إنتريست إلى أن الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن تعتزم كذلك سحب العديد من عتاد الدفاع الجوي من مختلف دول الشرق الأوسط، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والعراق والكويت والأردن.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أكدت في الثامن عشر من يونيو الجاري أن القيادة المركزية الأميركية أمرت بسحب بعض القوات من المنطقة.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أنه ستتم إزالة حوالي ثماني بطاريات باتريوت مضادة للصواريخ إلى جانب نظام الدفاعي المضاد للصواريخ والأهداف الجوية الأخرى “ثاد” من الرياض.
وتعكس هذه التغييرات تحولا كبيرا في سياسة إدارة بايدن في الشرق الأوسط لأنها تهدف إلى إعادة توجيه اهتمامها نحو الصين وروسيا.
وتأتي هذه الانسحابات المخطط لها في وقت تتصاعد فيه الهجمات التي تشنها الميليشيات الإيرانية في جميع أنحاء المنطقة.
وفي العراق استخدمت الفصائل المدعومة من إيران الصواريخ والطائرات دون طيار لمهاجمة الأصول الأميركية والعسكريين باستمرار خلال العام الماضي. وعلى الرغم من أن الميليشيات استهدفت القوات الأميركية حوالي 45 مرة منذ يناير الماضي إلا أن الهجمات الأخيرة تظهر التطور المتزايد في أسلحتها وقدراتها.
واستخدم وكلاء لإيران منذ أبريل الماضي طائرات دون طيار محملة بالمتفجرات لمهاجمة الأميركيين الموجودين في العراق. وقال قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكنزي إن استخدام هذه الأنظمة الجوية الصغيرة غير المأهولة في الهجمات يشكل تصعيدا لأنها قد تكون أكثر فتكا.
كما صعد المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران وتيرة هجماتهم التي تستهدف المدنيين والبنية التحتية في اليمن.
وحافظ الحوثيون على تقدمهم في محافظة مأرب اليمنية، دون رادع من الضغوط الدولية لإنهاء النزاع وتطبيق اتفاق السلام الذي رعته السعودية.
وفي أوائل يونيو الجاري أصاب صاروخ باليستي محطة وقود في المحافظة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 12 مدنيا.
وعلى الرغم من الإجراءات الجريئة، التي يبدو أنها قد تم اتخاذها من جانب وكلاء إيران، وجه البيت الأبيض البنتاغون إلى خفض الدعم الدفاعي الأميركي لبعض حلفاء أميركا الاستراتيجيين.
وفي الوقت نفسه تركز سياسة إدارة بايدن تجاه إيران على استعادة الاتفاق النووي لعام 2015، الذي انسحبت منه إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في عام 2018.
وأشارت المتحدثة باسم البنتاغون، جيسيكا ماكنالتي، إلى أن قرار سحب أصول الدفاع الجوي من الشرق الأوسط “اتخذ بالتنسيق الوثيق مع الدول المضيفة وبنظرة واضحة (تهدف) إلى الحفاظ على قدرتنا (الأميركية) على الوفاء بالتزاماتنا الأمنية”.
وعززت الولايات المتحدة في البداية أنظمة الدفاع الجوي في السعودية في عهد إدارة ترامب عقب هجمات مزدوجة بطائرات دون طيار شنها الحوثيون وألحقت أضرارا بمنشأتين نفطيتين رئيسيتين في الرياض عام 2019.
ووجه ترامب أيضا سنة 2020 بتكثيف أنظمة الدفاع في العراق عقب هجوم إيراني على قاعدة تضم قوات أميركية ردا على قتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني.
وفي ظل إدارة بايدن استمرت أعمال إيران ووكلائها في العراق واليمن. ولا تزال الميليشيات المدعومة من إيران في العراق تشكل تهديدا للقوات الأميركية في الوقت الذي تواصل فيه إطلاق الطائرات دون طيار والصواريخ التي تستهدف القوات الأميركية.
وحافظ المتمردون الحوثيون على تقدمهم في محافظة مأرب اليمنية، مما أسفر عن مقتل مدنيين وأثار إدانة دولية.
وتشير تقديرات أميركية إلى أن قوات التحالف الدولي تعرضت لأكثر من 50 هجوما باستخدام العبوات الناسفة ضد قوافل الإمدادات منذ وصول بايدن إلى السلطة، ونحو 12 هجوما صاروخيا على منشآت دبلوماسية أميركية أو قواعد عراقية تستضيف قوات أميركية أو قوات من التحالف الدولي.
وبالنسبة إلى العراق يعتقد كبار القادة العسكريين الأميركيين أن إيران تتّبع سياسة إخراج قوات التحالف الدولي وقوات الولايات المتحدة من العراق عبر استهداف مصالحها من قبل قوات حليفة لها تصنفها الحكومة العراقية في خانة القوات الخارجة عن إطار القانون.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت، في ختام الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي مع العراق في أبريل الماضي، عن سحب جميع قواتها وإعادة نشرها خارج العراق، والإبقاء فقط على مدربين ومستشارين غير قتاليين وفق جدول زمني سيحدده الطرفان لاحقا.
لكن الموقف الأميركي ما زال منقسما بين وزارة الخارجية والبيت الأبيض اللذين يؤيدان سحب جميع القوات القتالية من العراق ووزارة الدفاع وكبار القادة العسكريين الذين يرون ضرورة الإبقاء على ما يكفي من القوات الأميركية في قاعدة “عين الأسد” بالأنبار والقاعدة العسكرية في مطار أربيل الدولي، وذلك لمواجهة تنامي نشاطات تنظيم داعش.
وترى كارلين أنه “إذا لم يتمكن حلفاؤنا الإستراتيجيون في الشرق الأوسط من الاعتماد على الولايات المتحدة للحصول على تكنولوجيا الدفاع الجوي والدعم، فقد يلجأون إلى خصومنا للحصول عليها من أجل مواجهة التهديدات”.
ويستنتج خبراء أن الولايات المتحدة تنظر إلى الصين وموسكو على أنهما يمثلان خطرا إستراتيجيا ذا أولوية، ولذلك يمكن أن تخفف وجودها في مناطق من الشرق الأوسط حتى لو كان ذلك في صالح إيران.
لكنهم لفتوا إلى أن الانسحاب سيكون تدريجيا وستركز واشنطن من خلاله على تخفيف الوجود المباشر في قواعدها بالخليج والعراق، على أن يستمر الوجود الجوي أو يتدعم كاستراتيجية مستقبلية في المنطقة.
مشاهدة 1756
|