ZNA- أربيل في مايو الماضي، أطلق المتسللون واحدة من أخطر الهجمات الإلكترونية، حينما هاجمت جماعة "دارك سايد" أكبر شبكة لخطوط الأنابيب لتوزيع الوقود في الولايات المتحدة ببرمجيات خبيثة لطلب فدية، مما منع تدفق البنزين والديزل ووقود الطائرات من ساحل خليج المكسيك إلى الساحل الشرقي الأميركي عدة أيام.
وبالتزامن مع هجوم مايو على شبكة خطوط أنابيب شركة كولونيال، البالغ طولها 8900 كيلومتر، قام السائقون المذعورون بتخزين الوقود، واضطرت العديد من المطارات إلى تغيير مسارات الرحلات، وارتفع متوسط أسعار الوقود في جميع أنحاء الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى له منذ 2014.
على الرغم من أن شركة كولونيال دفعت بسرعة فدية قدرها خمسة ملايين دولار، لتفادي أزمة أوسع نطاقاً، كان الهجوم بمثابة تذكير بأن الدفاع عن إمدادات الطاقة في عصر الرقمنة السريعة سيكون أصعب بكثير وأكثر تعقيداً مما كان عليه في عصر النفط، حسبما تقول إيمي مايرز جاف هي أستاذة أبحاث بجامعة تافتس.
وتقول إيمي، في مقال لها بمجلة فورين أفيرز، إنه مع انتقال البلدان من الوقود الأحفوري إلى الكهرباء المتجددة الموزعة عبر شبكات عالية التقنية، ستحتاج الحكومات إلى مواجهة مجموعة جديدة من التهديدات المعقدة.
يشكل هذا التحول تحديًا خاصًا للولايات المتحدة، حيث تلعب الإدارة الحالية دورًا بارزًا في أمن الطاقة العالمي من خلال أسطولها البحري، الذي يحمي تجارة النفط والغاز المنقولة بحراً.
ومع ذلك، كانت حادثة خط أنابيب هجومًا رقميًا معقدًا أطلقه طرف ثالث غامض وبعيد، ضد البنية التحتية المحلية الحيوية.
وتتوقع إيمي أن تتعرض مستقبلا المزيد من البنية التحتية لهجمات مثل تلك التي ضربت شركة خط الأنابيب، "نظرًا لأن الكهرباء تشكل قدرًا متزايدًا من نقل الطاقة في العالم".
وتقول إيمي إن الولايات المتحدة غير مستعدة للدفاع عن نظام الطاقة العالمي مستقبلا. "إذا أرادت الدولة الاحتفاظ بنفوذها الجيوسياسي الهائل، فعليها أن تأخذ زمام المبادرة مرة أخرى، تحدد كيف يمكن لواشنطن وحلفائها الحفاظ على شبكات الكهرباء الحيوية آمنة".
تقول إيمي إن "نظام الطاقة العالمي الذي بنته البلدان والشركات في القرن العشرين اعتمد على الوقود الأحفوري الذي تنقله السفن والشاحنات وخطوط الأنابيب".
ومع ذلك، فإن التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة اليوم يحل محل الوقود الأحفوري وأنظمة التوزيع المصاحبة له. فبدلاً من الاعتماد على خطوط الأنابيب وسفن ناقلات النفط التي ترتاد المحيطات، أصبح المستهلكون يعتمدون على شبكات متقدمة تقنيًا تربطهم بالحقول الشمسية، وتوربينات الرياح، والمولدات الكهرومائية، ومحطات الطاقة الحرارية الأرضية.
ومع اكتساب هذا التحول زخمًا، فإن التجارة عبر الحدود في الكهرباء ستتوسع حتمًا، مع سعي البلدان إلى دمج الطاقة من مجموعة متنوعة من المصادر والمواقع.
وضربت الباحثة أوروبا كمثال قائلة إنها تأخذ زمام المبادرة بالفعل. فقد عقدت اتفاقيات مثل (نورد بول)، وهي نظام لتجارة الكهرباء قائم على المزاد ويربط بين تسع شبكات وطنية مختلفة، لتحسين أمن الطاقة وموثوقيتها في جميع أنحاء القارة.
وعلى الجانب الآخر من العالم، فإن المنظمة العالمية لتنمية التعاون في مجال الطاقة في الصين، والتي تأسست عام 2016، لديها تطلعات طموحة لربط شبكات الطاقة الصينية بتلك الموجودة في البلدان الأخرى في جميع أنحاء آسيا وحتى في مناطق بعيدة مثل أميركا اللاتينية.
أما الهند، فتقوم ببناء توصيلات الكهرباء إلى البلدان المجاورة مثل بنغلاديش ونيبال.
وتعتقد إيمي أن عالم الشبكات الكهربائية الموزعة والرقمنة يمثل تحديًا فريدًا للولايات المتحدة -خاصة دورها كضامن لأمن الطاقة العالمي.
وأشارت إلى إعلان الرئيس الأميركي جيمي كارتر أن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام القوة للدفاع عن مصالحها الوطنية في الخليج العربي الغني بالنفط، وذلك بعد أزمات النفط في السبعينات والغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979.
وعلقت قائلة: "أصبح ذلك معروفًا باسم عقيدة كارتر، وفي العقود التي تلت ذلك، عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري في جميع أنحاء المنطقة وتدخلت في العديد من النزاعات.
اليوم، يذهب دور الولايات المتحدة في الدفاع عن إمدادات النفط إلى ما هو أبعد من الخليج العربي، حيث تلعب البحرية الأميركية دورًا مركزيًا في حماية الممرات البحرية الدولية التي تتاجر الدول والشركات من خلالها بالوقود الأحفوري".
وفي ظل توصيلات الكهرباء عبر الحدود التي سيشهدها العالم مستقبلا، فإن الحفاظ على الممرات البحرية آمنة من أجل صادرات النفط "لن يحظى" بعد الآن بنفس التأثير الجيوسياسي الذي كان يتمتع به من قبل.
ومع تغير المشهد، يجب على واشنطن إعادة التفكير في دورها في نظام الطاقة العالمي. ونظرًا للمخاطر، قد يكون وضع قيود على السلوك السيبراني في نهاية المطاف بنفس أهمية الحد من الأسلحة النووية أثناء الحرب الباردة.
وتابعت "يجب على واشنطن أن تبدأ حوارًا عالميًا يركز على تطوير معاهدات لمكافحة قراصنة برامج الفدية مثل جماعة دارك سايد. وقد أبدى سفير روسيا لدى الاتحاد الأوروبي استعداد موسكو لمناقشة المعاهدات المحتملة تحت رعاية الأمم المتحدة".
وفيما يتعلق بمسألة هجمات برامج الفدية الأخيرة التي نسبتها الولايات المتحدة لروسيا نفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي معرفة بهذه القرصنة، ودعا نظيره الأميركي جو بايدن إلى التوصل إلى اتفاق معه بشأن الفضاء الإلكتروني، وذلك حسبما ذكرت شبكة إن بي سي نيوز.
ومع ذلك، سيتعين على واشنطن تقييم جدية موسكو، حسبما تقول إيمي.
مشاهدة 1855
|