عوضاً عن مواكبة ومراقبة التغيرات المرتقبة في المشهد السياسي العراقي الذي يزداد تعقيداً كلما إقتربنا من موعد الإنتخابات المقبلة، وبدلاً عن الجنوح نحو التهدئة ومباركة التفاهمات والتقاربات والجهود المبذولة في سبيل تلطيف الأجواء ووحدة الصف والكلمة تجاه كل الأمور التي تمثل قضايا قومية ووطنية لا يجوز معها الحياد، كالإحتلال التركي لأراضي الإقليم، وتحرشات حزب العمال الكوردستاني بالإقليم، وممارسات بغداد غير المبررة تجاه شعب كوردستان وإبتعادها عن الخطوط الموضوعية. وبدلا عن محاولة إجتياز المشكلات بطرق إحترافية، نرى في الأفق مؤشرات إعادة إثارة الجدل والمغالاة وكيل الهجوم والتماهي في فقدان رصانة المعالجة حول أمر أحقية الكورد في تسلم منصب رئيس جمهورية العراق، وحصر الموقع في اتجاه معين بشكل يسيء الى صورة الكوردستانيين، ويترك إنطباعاً لدى الذين اعتادوا تلقي رسائل إيجابية ثابتة حول مواقف سياسية ووطنية وقومية كوردستانية تتسم بالثبات. ويؤشر الى أننا نعاني من عدم وجود المشكلات، لذلك نبحث بترف عن مشكلة نلهي بها أنفسنا وأبناء شعبنا وننسى أو نتناسى أن الظفر بالرئاسات في العراق لا علاقة له بالانتخابات حتى لو جرت أو تأجلت، بل هو مرهون بالمقايضات والمفاوضات والمصالح، وطروحات الأطراف الاقليمية والدولية المؤثرة على القرار السياسي في العراقي .
وفي هذا الشأن، أصبح من المنطقي أن نسأل : ماذا جنى الكورد من رئاسة جمهورية العراق؟
في الدورة الأولى لرئاسة جمهورية العراق، كان المرحوم جلال الطالباني منهمكاً بوقف نزيف دماء الحرب الأهلية بين الشيعة والسنة من جهة، ومحاصراً من قبل نائبين كانا ينفخان في نار الحرب الاهلية، ويؤججان الصراع بين العراقيين، ويكنان العداء لبعضهما ولرئيسهما، من جهة أخرى، والمصيبة الكبرى كانت في إمتلاكهما حق “فيتو” القرارات التي لا تنسجم مع رغباتهم وطموحاتهم ونواياهم المذهبية والطائفية. لذلك يمكن القول أن رئيسنا الكوردي إنشغل بالهموم العربية العراقية.
بعد إنتخابات 2009 أرادوا تسليم رئاسة العراق الى شخص آخر (غير كوردي)، ولكن بجهود الرئيس مسعود بارزاني وإصراره الشديد إستلم الراحل جلال الطالباني رئاسة الجمهورية للمرة الثانية. خلال السنتين الأوليتين خرق نوري المالكي الدستور وضرب الإتفاقات عرض الحائط وتراجع عن العهود، وتمرد على رئاسة الجمهورية والبرلمان العراقي، وأصبح الحاكم المطلق للعراق، وعندما أرادوا إزاحته عن السلطة، تدخلت ايران وإبقاه في موقعه. وبعدها أصيب الرئيس الراحل بالمرض وأصبح العراق بلا رئيس للجمهورية لسنتين تعتبران من أشد سنوات العراق عجافة.
بعدها أي بعد إنتخابات 2014 تم إختيار الدكتور فؤاد معصوم لرئاسة الجمهورية وفق حسابات حزبية وكتلوية ضيقة، وكان وجوده وعدم وجوده لا يختلفان بالنسبة للعراقيين بشكل عام وبالنسبة للكورد بشكل خاص. يكفي أن نذكر بأنه إنشغل بتعيين المستشارين والمستشارات، وأدار ظهره لكيان الإقليم وشعب كوردستان حين خان حيدر العبادي العهد والوعد وخرق الدستور وأصيب بالغرور وتخلى عن مسؤولياته الإدارية والوطنية والدينية، وإستمد قوته من ولائه للدول الأجنبية وحاصر كوردستان إقتصادياً ودبلوماسياً ولجأ الى محاربة الكورد. كما لم يستطع ( الرئيس) إطلاق سراح عدد من حراسه الشخصيين كانوا قد أختطفوا من قبل الحشد، ولم يحرك ساكناً عندما انتهج الحشد في طوزخورماتو ( أقرب المدن الكوردستانية الى بغداد) بعد أحداث إكتوبر 2017عمليات تدمير وحرق 3598 منزلاً للكورد لازالت أنقاضها باقية، ونهب عشرات المحال التجارية، و19 ورشة ومعملاً انتاجيا، و15 سيارة وآلية، ونهب 30 مولدة كهرباء وحرق ونهب 13 مقراً للاحزاب الكوردستانية. ناهيك عن التجاوزات والإعتداءات الكثيرة وترحيل وتهجير الآلاف من الكورد في كركوك وضواحيها.
في عهد الرئيس الحالي لجمهورية العراق الذي تولى المنصب بإرادة وسطوة ونفوذ إيران دون أن يصوت له النواب الكورد في الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحركة التغيير والحزبيين الإسلاميين الكوردستانيين والجيل الجديد وأكثر من نصف أعضاء الإتحاد الوطني الكوردستاني، زاد تهميش وحرمان الكورد، وزاد تهرب بغداد من التزاماتها تجاه شعب كوردستان. وزادت حملات التعريب في المناطق الكوردستانية خارج إدارة إقليم كوردستان. وبالتزامن مع استمرار محاولات العرب الوافدين الاستيلاء على أراضي المزارعين الكورد، تواصل عمليات نقل هويات الأحوال المدنية والبطاقات التموينية الخاصة بالعرب الوافدين إلى مدينة كركوك وإبعاد المدراء الكورد من مواقعهم، دون أن يتخذ رئيس الجمهورية أي موقف يذكر حيال تلك الأمورالمأساوية.
وختاماً نقول: أن عموم المعطيات تشير إلى أن المواطن الكوردي لم يجني شيئأ، حتى الآن، من رئاسة جمهورية العراق.
مشاهدة 1885
|