اربيل (zna) في أقصى الشرق السوري حيث تقع مدينة الميادين في ريف محافظة دير الزور السورية تواصل الميليشيات الإيرانية خطوات تثبيت النفوذ العسكري والاجتماعي.
ولتحقيق ما سبق تعمل على استهداف جميع الشرائح المجتمعية في المنطقة، فإلى جانب الرجال وصغار السن تضع عينها الآن على النساء لتحقيق مآرب "استخباراتية"، بحسب ما تحدثت مصادر إعلامية في تصريحات لموقع "الحرة".
وفي تقرير له الثلاثاء قال "المرصد السوري لحقوق الإنسان" إن الميليشيات الموالية لإيران "لا تدخر جهدا في سبيل تأكيد تحويل منطقة غرب الفرات إلى مستعمرة أو محمية إيرانية، عبر اتباع أشكال وأساليب متعددة ومتنوعة".
وأضاف "المرصد" أن ممارسات تلك الميليشيات امتدت لتشمل "العنصر الأنثوي"، مشيرا نقلا عن نشطاء في مدينة الميادين إلى أن ميليشيا "أبو الفضل العباس" كلفت نحو 25 امرأة من نساء وعوائل عناصرها للتواصل مع الفتيات والنساء في الميادين وإقناعهن باعتناق المذهب الشيعي، والخضوع لدورات "عقائدية وتعريفية" حوله ضمن المراكز الثقافية.
وتوصف مدينة الميادين السورية بأنها "عاصمة الميليشيات الإيرانية"، ويطلق عليها هذا الاسم نظرا للعدد الكبير من الميليشيات التي تنشط فيها. هذه الميليشيات تتلقى دعما مباشرا من "الحرس الثوري" الإيراني، ولها مقار وقواعد عسكرية، وهو ما تؤكده تقارير محلية من داخل سوريا وأخرى غربية.
وسبق وأن تعرضت هذه الميليشيات لضربات جوية إسرائيلية وأخرى من قبل التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، وعلى الرغم من ذلك إلا أنها تواصل ممارساتها العسكرية من جهة، والاجتماعية من جهة أخرى، وذلك بصورة سرية وبعيدة عن الأضواء.
تفاصيل عن "كتيبة النساء"
تحدث موقع "الحرة" مع ثلاثة مصادر مطلعة من مدينة الميادين السورية، وأكدت المعلومات التي ذكرها "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، مشيرة إلى أن الخطوة المتعلقة بتجنيد النساء ليست جديدة، بل تعود إلى شهر ديسمبر من عام 2020.
وتقول المصادر التي تقاطع حديثها في عدة نقاط إن ميليشيا "لواء أبو الفضل العباس" لها اليد الطولى في تشكيل "الكتيبة النسائية"، وتوضح: "تم تشكيلها عن طريق إحدى النساء المقربات من عدنان السعود (الزوزو)، وهو قائد أبو الفضل العباس".
أمجد الساري الناطق باسم شبكة "عين الفرات" يضيف في تصريحات لموقع "الحرة" أن السيدة التي شكلت الكتيبة تلقت أوامرا من قائد "أبو الفضل العباس" لتنفيذ هذه الخطوة، لتعقد فيما بعد سلسلة اجتماعات مع نساء مقربات من "حزب البعث" وبعض الميليشيات المقربة من النظام السوري لتنسيق "العمل الموكل لهن".
وكان لهذه الكتيبة في بداية التشكيل مقر في مدينة الميادين، وفي الأشهر السبعة الماضية توسع عملها لتفتح مقرات في حي الجورة بمدينة دير الزور وفي مدينة البوكمال الحدودية مع العراق.
ويشير الساري: "يبلغ عدد النساء في الكتيبة 16 امرأة. في ذات الوقت يشغلن مناصب في دوائر النظام السوري الحكومية، وخاصة في دائرة نفوس دير الزور".
ورقم 16 ينحصر فقط في النساء الأوائل اللاتي شكلن الكتيبة في بداية التأسيس، لكن هذا العدد ازداد مع فتح مقرين في حي الجورة والبوكمال، ليصل إلى قرابة 60 امرأة.
من جانبه يوضح الصحفي السوري، صهيب جابر أن المعلومات المتعلقة بتجنيد النساء من قبل ميليشيات "الحرس الثوري" الإيراني دقيقة، لكن هذه الخطوات تنحصر فقط بزوجات القياديين.
ويضيف جابر في تصريحات لموقع "الحرة": "الهدف الأساسي لتلك النساء يقوم على أعمال الترويج ونشر التشيع، وآخرون يتركز عملهن ضمن كشافة المهدي وبعض الجمعيات الإغاثية التي تعتمد في تمويلها على الجانب الإيراني".
لماذا تجنيد النساء؟
خلال سنوات الحرب السورية العشر انتشرت عدة تقارير إعلامية من مناطق الشرق السوري، وأخرى تخص العاصمة دمشق وريفها، وأفادت بإقدام قياديين في الميليشيات الإيرانية ورجال دين شيعة على نشر الثقافة الإيرانية والتشيع بين أفراد المجتمع السوري.
ولا يتطرق النظام السوري لهذه التقارير بالنفي أو التأكيد، ومنذ سنوات يعتبر الإيرانيين بمثابة الحلفاء، وأن تدخلهم في سوريا يقتصر على المستشارين العسكريين، وهو الأمر الذي يشابه الرواية الرسمية لطهران.
وكانت مدينة الميادين قد شهدت، منذ مطلع عام 2020 عدة اجتماعات بين قادة من "الحرس الثوري" ووجهاء وشيوخ عشائر محافظة دير الزور، وارتبطت جميع العروض التي تلقتها الأخيرة بضرورة سعيها لاستقطاب النسبة الأكبر من شبان المنطقة للعودة إلى مدنهم وقراهم، سواء داخل سوريا أو خارجها من اللاجئين.
ويعود التركيز على الميادين، كونها تتمتع بموقع استراتيجي بالقرب من الحدود السورية- العراقية، ومن جهة أخرى تعيش ظروفا يراها مراقبون "خصبة" لتمدد النفوذ الإيراني وتحقيق أهدافه، سواء على الصعيد العسكري أو الاجتماعي.
وقد يكون من اللافت توجه ميليشيات "الحرس الثوري" إلى تجنيد النساء، لكن هذا الأمر تقف ورائه عدة أهداف، بحسب ما يقول مصدر محلي من محافظة دير الزور لموقع "الحرة".
يوضح المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه أن مهام الكتيبة "استخباراتية بامتياز"، ومنها "ملاحقة شبان المنطقة والإيقاع بهم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيق واتساب، وتوريطهم للانضمام للميليشيات الإيرانية".
وهناك مهام أخرى تصب في "صلب العمل"، وتذهب باتجاه تجنيد الأطفال.
ويتابع المصدر: "لهذه الكتيبة عمل في مركز النور الساطع الموجود في مدينة الميادين. النساء البارزات وظفن نساء أخريات من أجل استقطاب الأطفال للانضمام لهذا المركز. الأخير يقدم دورات (ثقافية)، وهي بمثابة دورات غسيل دماغ وتعليم المذهب الشيعي والأفكار الطائفية".
بدوره يشير الناطق باسم شبكة "عين الفرات"، أمجد الساري إلى أن "الكتيبة النسائية" معروفة بتقديم الإغراءات للأهالي و"المعونات الإغاثية"، من أجل تسيير عملهن بشكل دائم.
ويقول: "بحسب المعلومات لدينا هناك تنسيق مباشر بين المقر الموجود في الميادين والمقرين الآخرين في البوكمال ودير الزور".
وسبق وأن حصلت الشبكة التي يعمل بها الساري على صور إحدى النساء اللاتي يتبعن للكتيبة المشكلة من قبل لواء "أبو الفضل العباس"، وفيها ظهرت امرأة بلباس عسكري مموه في إحدى شوارع مدينة الميادين.
وبحسب الساري: "اللباس العسكري كان في العلن في السابق، لكن مؤخرا وبسبب الرفض الشعبي لهذه المظاهر تحول اللباس إلى اعتيادي، وتحول معه العمل أيضا بشكل سري. لم يعد ظاهريا".
"مراكز تشيع في المنازل"
وإلى جانب المقرات الرسمية للكتيبة النسائية التي ذكرت تفاصيلها في السابق يوجد نشاط للنساء المقربات من الميليشيات الإيرانية في منازلهن الواقعة في مناطق متفرقة في محافظة دير الزور، وبالأخص في مدينة الميادين.
الصحفي السوري صهيب جابر عرض في سياق حديثه مثالا على ذلك بالقول: "عائلة الحاج حسين وهو قيادي إيراني، اشترت منزلا في الميادين، وجعلت منه مركزا للتشيع. أيضا تقام فيه ندوات ومناسبات شيعية ترويجية للميليشيات وأفكارها".
ويوضح جابر أن النشاط الميليشياوي الخاص بالنساء ما يزال حتى الآن ضمن خانة "القادات الأجانب".
ويشير الصحفي السوري إلى تحوّل طرأ في الأيام الماضية على صعيد التجنيد ضمن الميليشيات الإيرانية في شرق سوريا، ويتابع: "لواء فاطميون طلب من شبان المنطقة التطوع ضمن صفوفه وتحت رايته لأول مرة، بعد أن كان في السابق يجند لكن بفصائل مدعومة منه وليست تحت رايته".
من هو لواء "أبو الفضل العباس"؟
ويعتبر لواء "أبو الفضل العباس" من أبرز الميليشيات التي تدعمها طهران في سوريا، وكان قد دخل إلى الأراضي السورية منذ مطلع أحداث الثورة السورية، وقاتل إلى جانب قوات النظام السوري في مختلف الجبهات، أبرزها في محيط العاصمة دمشق ومدينة حلب وريفها.
ويقول اللواء إن قتاله في سوريا يأتي بحجة "الدفاع عن مقام السيدة زينب بريف دمشق"، وهو المبرر الذي تضعه كافة الميليشيات المدعومة من طهران إزاء مشاركتها في الحرب السورية.
وتحمل تسمية لواء "أبو الفضل العباس" شأنا خاصا داخل الأوساط الشيعية، وهو قوة عسكرية شيعية يعتقد أنها تتبع للتيار الصدري في العراق.
ويضم "اللواء" عددا من الشيعة العراقيين الذين انتقلوا للعيش في سوريا عقب الهجوم الذي استهدف مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء عام 2006، وكذلك من "عصائب أهل الحق" الذي انشق عن التيار الصدري في 2009، كما يضم أيضا عناصر شيعية لبنانيين وسوريين وإيرانيين.
وسبق وأن كشف "الحرس الثوري" الإيراني عن أعداد الميليشيات الإيرانية المقاتلة إلى جانب النظام السوري في سوريا.
وخلال مقابلة مع مجلة "سروش" نقلتها وكالة "فارس"، في مارس 2019، قال القائد العام للحرس الثوري، اللواء محمد علي جعفري، إنه "تم تشكيل قوات شعبية في سوريا تضم نحو 100 ألف مقاتل".
وأضاف جعفري: "استطاعت هذه القوات أن تقف بوجه داعش وجبهة النصرة والمسلحين السوريين"، بحسب تعبيره، كما قال خلال المقابلة إنه تم تشكيل قوات شعبية مماثلة في العراق بقوام 100 ألف مقاتل تحت مسمى "الحشد الشعبي"، مدعومة بخبرات وتنظيم إيرانيين.
مشاهدة 2062
|