ZNA- أربيل عندما يستحيل السير في الأوحال ويتعين الاستعانة بوسيلة مساعدة إما المشي على أعواد الخشب لإطالة الساقين أو استخدام الشاحنات الصغيرة (بيك آب) فإن الإجابة معروفة. فلا يمكن تفضيل الركائز الخشبية على الشاحنات في اجتياز المنحدرات الثلجية وسط تضاريس وعرة بإقليم كوردستان شبه المستقل في العراق.
لكن صباح عبدالرحمن البالغ من العمر 55 عاما يفعلها منذ عقود، ويستخدم السيقان الخشبية بإخلاص وتفان لتقليد عاش عليه الآباء والأجداد كوسيلة تنقل سريع عندما كانت الشاحنات نادرة الوجود أو حتى قبل اختراعها.
يتذكر عبدالرحمن سنوات طفولته كيف كان القرويون يتزاورون عندما يذوب الثلج في فصل الربيع وتتحول الأرض إلى جزر من الوحل والطين، كانوا يستخدمون الركائز الخشبية المتينة كي لا تغوص أقدامهم في الثلج والوحل.
بقيت الركائز الخشبية بمثابة شواهد على الماضي، حيث كانت العائلات تعتمد على رعي الماشية في التضاريس الصخرية، وكان لاستعمال هذه السيقان مزايا عديدة. فهي كانت تزيد من اتساع زاوية ومجال الرؤية الخاصة بالرعاة، الأمر الذي يساعدهم كثيرا في مراقبة قطعان الأغنام البعيدة، كما أنها كانت تساعد على زيادة طول خطواتهم وكذلك سرعتهم مما يخولهم من تغطية مسافات طويلة في أوقات قصيرة.
وظلت هذه الممارسة تتلاشى مع تعاقب السنوات في عمر عبدالرحمن، لكنه حافظ على وفائه لها معظم سنوات حياته، ظل يمشي مرتفعا عن الأرض متحديا قوانين الجاذبية للحفاظ على تقاليد أجداده من الضياع.
ويقول عبدالرحمن، إن الجزء الأعلى من الساق الخشبية يكون مسطحا لتلتصق به القدم، أين يتم إحكامها بواسطة رباط قوي، أما الجزء السفلي الذي يرتكز على الأرض، فهو يتم توسعته نوعا ما لتكون ثابتة ومستقرة ومريحة.
ويضيف عبدالرحمن أنه كان الأطفال في القديم أن يتدربوا على المشي بالسيقان الخشبية منذ سنوات طفولتهم، ويطوروا مهارات باهرة في الحركات البهلوانية، حيث كان بإمكانهم التقاط حصاة من الأرض، أو قطف زهرة، أو التظاهر بالسقوط ثم النهوض مباشرة، أو الركض على ساق واحدة، وما إلى ذلك من الحركات، إذ كان بإمكانهم الركض والسقوط والنهوض كما كان يمكنهم اللف والدوران دون أن يكون لديهم أي مشكلة أو عائق .
وقال أحد الجيران، يدعى سليمان خالد، إن عبدالرحمن معروف عند الجيران بهوايته التي لم تكن مجرد وسيلة عملية للتغلب على صعوبة السير بل رياضة للشباب الذين لا تتوفر لديهم معدات رياضية.
وقال خالد “هذا التراث الذي أعاده كاكا (السيد) عبدالرحمن، كان الشباب في الماضي يستخدمونه كنوع من التراث، وكنوع من الرياضة، لأن الأدوات الرياضية كانت قليلة جدا”.
ولا يزال عبدالرحمن يتسلق الأشجار لقطع الفروع المناسبة لنحت ركائزه. ويقول إن أخشاب شجرة السنديان هي “الأقوى والأكثر أمانا”.
يغني عبدالرحمن ويرقص على أعواد الخشب، ويحافظ على لياقته البدنية، ويأمل في أن يكون مصدر إلهام للآخرين لمعاودة ممارسة كانت شائعة في الماضي ولا تزال ملائمة وعملية في الوقت الراهن.
يذكر أن رعاة منطقة اللاند المحاطة بأشجار الصنوبر في الجنوب الغربي بفرنسا اشتهروا بالمشي على السيقان الخشبية الطويلة جدا حتى يتمكنوا من التنقل بسهولة في المنطقة وتفقد الخراف.
وامتد الأمر في منطقة اللاند، فلم يكتفوا باستخدام السيقان الخشبية في عملهم كرعاة أو للتنقل فقط، بل الأمر تطور لتصبح هناك مسابقات للسيقان الخشبية. وكانت تقام مسابقات وعروض لمن الأسرع بين المشاركين، ولكن بعد منتصف القرن 19 ومع بداية ظهور غابات الصنوبر أصبح من الصعب التنقل بالسيقان وهذا كان سبب اختفائها من المنطقة .
مشاهدة 2104
|