في كل مرة اتحرك للكتابة عن واقع العراق، تستحضر ذاكرتي ماض،قليل الاخطاء ربما، واكيدا اقل من اخطاء لاحقة، لم يجر علاجها، فكبرت بكل اتجاه، حتى ضاق الحاضر بما يكشف مستقبلا تعاني قواعده من الوهن.
يعرفني اكثر العاملين في السياسة، انني من الواقعيين، و لذا فلست ممن يركن للشعارات التي تفوق الطاقة التي بها تتحقق، و الواقعيون، هم الاقدر على تحليل الظاهر و المظاهر، واقصد منها، ما يعيشه العراق، الذي ليس اخر تطوراته حركة الاحتجاجات، التي مهما قيل بحقها، ففيها ضمن تعقيدها صوت محق.
لا يكتب للعمل السياسي استمرارية نجاح-لاسيما ان وصل للحكم- ان لم يواكب على دراسة المادة المجتمعية التي يدعي انه الاكثر توفيقا في تمثيلها سواء على اول سلم الادارة او في اعلاه.
كل الحديث عن موارد العراق، يجمع ثلاثية النفط و الزراعة و المياه، لكن الواقع، جرى بغير ذلك، بل جرى مجرى التفاخر المنقول عن واقع سابق كان يمكن ان يكون مفخرة حاضر و مستقبل، لو جرى تفهم السياسة بغير منظارها الضيق الذي يهدف للقيادة فقط، طموحا بها لأنها مكسب، دون الانتباه الى ان القيادة تكون في مضامير صناعة الحياة كل الحياة، لغاية محمودة وليس الحياة التي تفرضها الشمولية المتركزة في الشرق، او تقليد زعاماتها القديمة التي انجبتها ظروف هي اي الظروف و هم اي تلك الزعامات محل دراسة و نقد لليوم.
موارد العراق، تكمن بشعبه، فهم الحيوية التي لأجلهم ضحى بعضهم بحياته، وبمستقبله، ليضمن الاخرون مكانهم الافضل، تأسيا، بروح زرعتها القيم، و نادت بها الاديان، ونظر لها الفلاسفة، ونظم فيها الشعراء، وتصارعت لأجلها الافكار، والاسلحة،والشباب مورد يسجل في العراق نسبا مرتفعة عن بقية الفئات العمرية، وهم ربما لسوء حظهم، كانوا دوما،يولدون و ينضجون و يفنى كثيرهم خلال ازمات، ولو رجع القاريء و القارئة للسنوات التي تلت تنصيب فيصل الاول ملكا على العراق امتدادا، الى نيسان 2003 فسيقف على حجم الفجائع التي نزلت بشباب كان من الممكن ان يعضد بجهده مسيرة لو- و”لو” لا تصح للماضي- جرى توجيهها لبناء وطنية تقوم على الكفاية لا الكفاف، وليس باقي الحريات، فباقي الحريات يطول معها الشرح، لكان العراق اليوم، ونحن منه، انموذج فخر دولي حقيقي، فلا مقابر جماعية، و لا عقوبات دولية، و لا استضعاف اقليميا.
لم يكن العراقيون حتى عقود قليلة من ذوي نزعة الهجرة، من هناك، كان يجب الانتباهة الى ان قرارا مثل هذا لا يصدر الا اذا كان الواقع ليس مختلا، بل لا يجري العمل لتصحيح اختلاله، فالقيادة الناجحة، لا يكون همها استعراض اخطاء سابقتها، بل العمل، على تحويل شعارها لمصاديق.
انا شخصيا من جيل فيه من رفاقي الكثير جدا، ممن تمرد على منظومة الحكم، انا كوردي، ومن منطقة تتكلم اللغتين العربية و الكوردية، لم اقبل، و لم يقبل مثلي كثيرون ان نقدم حقنا في الحياة و المساواة التي منحها الله لنا، ليتصرف في وجودهما من عدمه نظام سرعان ما انتهى ليحل محله نظام بغير اسم لكن بنفس الثقافة القائمة على التحكم بحق الحياة لأفراد هم بحكم القانون من رعاياه، لذا، اخترت، واختار بعض ابناء جيلي الانخراط في حزب، امنا بأنه لايشخص الخلل، و انا يعمل متى تهيأ له العمل، ليصلح الخلل، ومعلوم الفرق بين سرعة الهدم، و سرعة البناء، و ايهما تتفوق، فما بالك و الهدم لم يكن سريعا و حسب بل و طويل مدة.
لكن الاصلاح يظهر مثلما تظهر علامات التحسن البطيء على الجسم الذي هده المرض، وهذا ما كنا نعتقده انه سيكون بعيد 2003 نعم، لا مجال لأنكار ان العراق، تعرض لحملة اقليمية غايتها افشال مشروع امريكا، ظهر ذلك ليس فقط بالتغلل التكفيري الذي صار مسلحا و يواجه بشراسة لين الاجهزة الجديدة، غير ان العذر لا يكفي لتبرير الواقع، والا فما الداعي للتصدي للمسؤوليات، الا ان تختصر بالتوصيف الانشائي و الاعلامي للتراجع؟
رجوت كثيرا ان تتغير ثقافة التفكير، لتكون قائمة على تخطيط يفهم ماهو العراق، ومن هم اهله، وشعوبه، وقومياته، وكيف يجري التعامل مع حقهم على العراق قبل فرض الواجب عليهم، او الاكتفاء بتذكرهم على المناسبات ببرقيات مجاملة بعيد او بعزاء.
لو تفكر كل فرد في معادلة سهلة تقوم على رؤية العراقي و هو في مجتمع اجنبي و كيف يتصرف، و بين رؤيته في العراق، فلن يكون الجواب صعب التفسير، ببساطة، هي العدالة، و معاجمنا تفيض بروايات و قصص العدالة و اصحابها الذين يحبهم الناس و قد لا يتقيد بتوجههم اكثر مرددي قصههم، فضلا عن فرضه بكتاب ندعي كلنا من معتنقي الاسلام، انه مِفصلُ قبول الرب من سخطه.
رحم الله من قال:
السنا الالى كانت قديما بلادنا
بها الملك في شعب الحفيظة مسبع
وكان لدى الابصار شرقا و مغربا
بأرجائها نور العدالة يسطع
فما بالنا نستقبل الضيم بالرضا
ويهضمنا الحق العدو فنقنع
قالوا قديما، الحكم قد يدوم مع الكفر، لكنه لا يدوم مع الظلم، و شعبنا العراقي مظلوم.
الزمان
مشاهدة 2554
|